خطبة الجمعة 28 رجب 1442: الشيخ علي: قرآن غير عربي؟


- قال تعالى: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً) [مريم:97].
- بدأت سورة مريم بذكر النبيِّ زكريا وزوجتِه، فالنبي يعقوب وآله، فيحيى، فالسيدة مريم، فعيسى، فإبراهيم، فموسى، فهارون، فإدريس، فآدم، فنوح (ع)... وكل مَن سبق ذكرهم لم يكونوا يتكلّمون العربية، ولم تكون دعوتهم بالعربية، ولم تكن الكتب السماوية النازلة على بعضهم بالعربية.
- هذا الأمر كان من بين الإثارات التي طرحها المشركون بحق القرآن الكريم، وكأنهم قالوا: لم نعهد كتاباً سماوياً من قبلُ قد نزل باللغة العربية، وبالتالي فمن المفترض أن يكون الكتاب النازل عليك أيضاً بلغة من لغات الكتب السابقة كالعبرية أو الآرامية، وهذا يدفعنا إلى اتهامك بأن القرآن من صنعك يا محمد.
- فجاءهم الردّ بأن الله قادر على أن يُنزّل القرآن بأية لغة شاء، ولكنّه جعله بلغة عربية واضحة مفهومة، وببيان عذب سلس، مع المحافظة على عمق الفكرة، كل ذلك كي يتيسّر فهمه، وتسهل تلاوته، ليتحقق بذلك الغرض من إنزاله بتبشير المتقين المطيعين، وإنذار المعاندين المكابرين.
- فلو نزل بالعبرية أو الآرامية لما فهمه قومُك الذين بعثتَ فيهم، وكانوا هم منطلَق دعوتِك.
- ولو كان بلغة غامضة من قبيل: (تَزنَّخْتَ طَخطاخاً ولستَ بعندلِ، كصَهْصَـلِق ٍرَجّاسةٍ غَيرِ كَهْدَلِ) لما تيسّر فهمه لكل أحد.
- ولو كان القرآن على طريقة: (ما لَكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جِنة؟ افرنقعوا عني أو اقعنسسوا) لما تيسّرت تلاوته على كل أحد على الرغم من أن الكلام عربي.
- فكون القرآن قد نزل بهذه الصورة بمثابةِ رحمةٍ إلهيةٍ عظيمة... وما أشكلتم على ذلك إلا عناداً واستكباراً... وفي هذه الإجابة حكمة يحتاج إليها كل مَن يبلّغون رسالات الله، ومن ذلك أننا عندما نقدّم الإسلام لمن لا يعيشون في العالم الإسلامي أو لغير العرب، علينا أن نراعي لغتَهم وطريقةَ تفكيرِهم وقضاياهم ومشاكلَهم ونقارب من خلالها مفاهيمَ الإسلام وأحكامَه.
- ويأتي اللقاء التاريخي الذي شهدته مدينة النجف الشرف في الأيام القليلة الماضية بين مرجعيتين دينيّتين وعلى أعلى مستوى، ليكون -بمثابةِ فرصةٍ ذهبية للانفتاح على العالَم الغربي والشرقي، ويستدعي البناء عليه فيما نقدِّمه مِن خطابٍ إسلامي حكيم، وبلغةٍ عالميةٍ بيّنة تلامس القلوب وتتقبّلها العقول... خطابٍ يحملُ هموم البشرية جمعاء، ويقدّم شيئاً من الحلول الفكرية والأخلاقية والعملية بما يعكسُ عمقَ الإسلامِ وشموليتَه، ومواءمتَه لكلِّ زمان ومكان، لا أن نكتفي بالتمجيد والحمد والثناء الذي قد يتحوّل إلى ما يشبه الحقنة المخدِّرة التي تُنسينا أصل القضية ومواطن الخلل ونقاط القوة التي يمكن من خلال معالجتها معالجة سليمة أن نزيح شيئاً من الدرن الذي علق بصورة الإسلام من خلال ما اكتسبته أيدي الإرهابيين وما خططت له الدوائر المخابراتية المعادية للإسلام والمسلمين.