خطبة الجمعة 21 رجب 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: كاظم الغيظ


- قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) [الفرقان:63]... قد تصدر من الآخرين تصرفات حمقاء أو عدوانية، وتكون تصرفات طارئة، بالقول أو الفعل أو النظرة أو غير ذلك... من صفات عباد الرحمن أنهم يسيطرون على ردود أفعالهم في تلك اللحظة التي تضغط فيها النفس للثأر وردّ الاعتبار.
- وجملة (قَالُوا سَلامًا) كناية عن ردّة الفعل المسالمة التي تنمّ عن العفو وتجاوز الموقف وعدم
الانفجار بشرارة التصرّف الجاهل الصادر عن الطرف الآخر، بل التعالي عليها إذ لا يريد أن ينزل إلى مستوى الجاهلين، فإيمانه وتقواه وأخلاقه وحكمته لا تسمح له بذلك.
- ليس بالضرورة أن تقول كلمة (سلام) في مثل هذا الموقف.. بل لربما صار ذلك شرارة للخصومة والنزاع، إذ يشعر معها الطرف الآخر أنك تهينه باتهامك له بالجهل، وأنك من عباد الرحمن وهو من أولياء الشيطان! ولربما يتعمدّ البعض قولها انتقاماً للنفس من خلال رسالة الإهانة المبطّنة.. بل المراد أن تتّصف ردّة فعلك بصفة السلام.
- اشتُهر الإمام موسى بن جعفر (ع) بضبط النفس في مثل تلك اللحظات وبأعلى مستوى، حتى لُقِّب بالكاظم، أي كاظم الغيظ أمام تصرفات الجاهلين والحمقى، وهو (ع) القائل لهشام بن الحكم في بداية وصيته الطويلة: (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى‏ بَشَّرَ أَهْلَ الْعَقْلِ والْفَهْمِ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ‏: فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ).
- فالأحسن في مثل هذا الموقف تجاهل حماقات الجاهلين، وعدم الاستجابة لها، وعدم تحويلها إلى مادة للصراع.
- إن كظم الغيظ والعفو عن الناس وتجاوز حماقات وتصرّفات الجاهلين تُعدّ مِن حِكَم الحياة التي تُجنّبُنا الوقوع في صدامات وصراعات تُفرحُ قلبَ الشيطان الذي يريد أن يوقع بين الناس العداوةَ والبغضاء، وتجعل الحياة من حولنا أجمل وأهدأ، وترفع منزلتنا عند الله وقيمتنا المعنوية في أعين الناس، ومن هنا نال إمامنا موسى بن جعفر (ع) التقدير والثناء إذ لُقِّب بالكاظم إعجاباً بهذا الجانب المميّز من شخصيته.