ما شجرة الزقوم ؟ ما شكلها ؟ ولماذا ذُكرت في القرآن ؟ سورة الصافات 62-73

{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } 62
- هذه الآيات تقارن بين حال المؤمن في الآخرة وحال الكافر فيها، وذلك بعد عرض حال المؤمن.
- الإِشارة بــــ { أذٰلِكَ } إلى ما تقدم من حال المؤمنين في النعيم والخلود، وجيء باسم الإِشارة مفرداً، أي هل هذا المذكور آنفاً خير أم ........
- بُعد المشار إليه (ذَلِكَ) لتعظيمه، أي بُعد المرتبة وسُموّها.
- (نُّزُلاً) المكان الذي ينزل فيه النازل، وأُطلق إطلاقاً شائعاً كثيراً على الطعام المهيّأ للضيف لأنه أعدّ له لنزوله تسمية باسم مكانه. ويجوز أن يراد به مكان النزول.
- (أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ) إذا كانت سورة الواقعة منزلة قبل سورة الصافات، فيكون ذكر هذه الشجرة قد جاء بشيء من الإجمال، وتم التفصيل هنا لغرض سنذكره، قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ، لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ) [51-53].
- قيل أنه لما نزلت آيات سورة الواقعة (قال ابن الزِّبَعْرَى: أكثر الله في بيوتكم الزقوم، فإنّ أهل اليمن يسمّون التمر والزبد بالزقوم. فقال أبو جهل لجاريته زقمينا. فأتته بزُبد وتمر فقال تزقموا). من هنا جاءت آيات سورة الصافات لتبيّن حقيقة هذه الشجرة ووصفها القبيح.
{ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } 63
- كيف تكون هذه الشجرة فتنة؟
- الاحتمال الأول: يقال: (فتَنْتُ الفضة والذهب) إِذا أَذبتهما بالنار لتميز الرديء من الجيِّدِ، ولذا يقال (دينار مَفْتُون)، ثم استعملت هذه الكلمة في الإحراق بالنار مطلقاً. ومن هذا قوله عز وجل: (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات:13]؛ أَي يُحْرَقون بالنار‏. وهكذا قال تعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ... إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج:4-10]. أي كما أنهم أحرقوهم في الدنيا، فإنّ الله سيحرقهم في نار الآخرة. فيكون المراد من كونها فتنة أي عذاب، أو من عذاب النار.
- الاحتمال الثاني: خبر شجرة الزقوم كان فتنة للمشركين، فيكون معنى (جَعَلْناهَا) جعلنا ذكْرَها وخبرَها في سورة الواقعة مثيراً لفتنتهم واختبارهم، فكذّبوا وتهكّموا. وكأنّ في هذا ردّ على تساؤلات لربما طُرحت من المؤمنين حول سبب ذكر اسم أو وصف هذه الشجرة بحيث سببت السخرية.
- ومثله ما جاء في سورة المدثر حيث قال تعالى: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ، لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ، لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ، عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر:26-30] حيث قيل أن المشركين استهزأوا إذ قال أبو جهل لقريش: (ثَكِلتكم أمهاتُكم، إن ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الدُّهم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم؟ أي من خزنة النار. فقال أبو الأشد الجمحي أنا أكفيكم سبعةَ عشر فاكْفوني أنتم اثنين) فأنزل الله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا) أي وما جعلنا ذكرَنا عدّتَهم إلا اختباراً لهم (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ) 31.
- وقد ذكرت في إحدى بحوثي الرمضانية السابقة أن الشجرة الملعونة المذكورة في سورة الإسراء هي شجرة الزقوم: (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) (60)، وهذا يؤيّد الاحتمال الثاني، أي أنّ ما في سورة الصافات من كونها فتنة، أي أنّ في ذِكرها فتنة، كما أنّ في ذكر رؤيا النبي (ص) أنه سيدخل المسجد الحرام مع المؤمنين في وضعية قاهرة للمشركين: (لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ) [الفتح:27].


{ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } 64
- استأنف لوصفها استئنافاً ثانياً مكرراً فيه كلمة (إنَّهَا) للتهويل.
- (تَخْرُجُ) تنبت كما قال تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) [الأعراف:58].
{ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ} 65
- (طَلْعُهَا) جعَل لها طلعاً، أي ثمراً، وأطلق عليه اسم الطلع على وجه الاستعارة تشبيهاً له بطلع النخلة، لأن اسم الطلع خاصّ بالنخيل.
- (رُءُوسُ الشَّياطِينِ) الاحتمال الأول: أن يكون مراداً بها رؤوس شياطين الجنّ، ورؤوس هذه الشياطين غير معروفة لهم، فالتشبيه بها وفق ما تصوّر لهم المخيّلة، فشبهت بشاعته ببشاعة رؤوس الشياطين.
- الاحتمال الثاني: تشبيه بثمر شجرة (الأَسْتَن)، وهي شجرة تنبت في بادية اليمن، لها ثمر بشع المنظر أسموه (رؤوس الشياطين)، فشبه به في الآية.
- الاحتمال الثالث: الشيطان لحية لرأسها عُرف.
{ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } 66
- الآية إنذار بأنهم آكلون من ثمرها كرهاً إنذاراً مؤكداً، وهذا الأكل من العذاب، وهو كريه من حيث الأكل وكريه من حيث المنظر.
- (فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ) كناية عن كثرة ما يأكلون منها على كراهتها.
- الفاء في قوله (فَمَالِئُونَ) فاء التفريع، وفيها معنى التعقيب، أي لا يلبثون أن تمتلىء بطونهم من سرعة الالتقام، وذلك تصوير لكراهتها، كالدواء المر الذي يسارع الإنسان في تناوله.
{ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } 67
- (ثُمَّ) أي بعد أكلهم منها.
- (لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) شاب الشيءَ بالشيء إذا خلَطه به.
- (حَمِيمٍ) الماء الساخن الحار.
- أي وسيختلط أكلهم من ثمرة شجر الزقوم بشرب الماء الساخن الحار فوقه.
{ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } 68
- كأنهم أخذوا لمكان التغذية ثم يُرجعون إلى مستقرهم، وهو الجحيم، كما تؤخذ الأنعام إلى مرعاها ثم تعاد إلى حظائرها.