خطبة الجمعة 7 رجب 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الليبرالية والعبودية لله

- العبودية لله تعني الطاعة له، عندما تصلي وتكبّر الله فتعلنَ أنَّ الله أكبر.. وعندما تقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).. وعندما تركع وتسجد خضوعاً له سبحانه.. فإنك تعلن أنّك في طاعة الله.
- لا مزاجك.. ولا هواك.. ولا ذوقك.. ولا عاداتك.. ولا أهلك.. ولا صديقك.. ولا حزبك.. ولا قبيلتك.. ولا وطنك.. ولا قوميتك.. أكبرُ من الله، وأولى من الله، ومقدَّمة على الله.
- الإرادة الإلهية مقدّمة على كل ما سبق.
- عن مصادف قال: (لما لبّى القوم الذين لبوا بالكوفة دخلت على أبي عبد الله (ع)) وهم جماعة الخطابية الذين ادعوا الألوهية للإمام الصادق وصاروا تبعاً لذلك يهتفون له بلبيك يا جعفر كما يلبّي المُحرِمون لله (فأخبرتُه بذلك، فخرّ ساجداً، وألزق جؤجؤه بالأرض وبكى وأقبل يلوذ بإصبعه ويقول: بل عبدٌ لله قنٌّ داخر - مراراً كثيرة - ثم رفع رأسه ودموعُه تسيلُ على لحيتِه).
- الإمام الصادق (ع) يقول عن نفسه أنه قِنٌّ داخر لله، والداخر هو الذليل المَهين الخاضع، والقن هو العبد الخالص الذي كان أبواه مملوكَين لمواليه، ولا أمل له في الحرية، فهو غير المكاتَب الذي يمكن تحريره تدريجياً، وغير المُدبَّر الذي يقول له سيده أنت حرٌّ دُبُرَ (بعد) مماتي، وغير أم الولد التي تُصبح حرّة بعد وفاة سيدها.
- هذا جزء أصيل من مفهوم العبودية لله... ولكن هناك منْ يفصل بين هذا وبين عبوديته لله، ويتصوّر أنّ من الممكن الجمع بين العبودية لله وبين قناعاته المخالفة لإرادة الله التشريعية.
- قبل عدة سنوات، التقيتُ بصديق كنت أعرفه منذ زمن بعيد، وفي ضمن كلامه عرّف عن توجّهه بما معناه أنه متديّن ليبرالي.. وبصراحة لا أدري كيف يمكن الجمع بين هذا وذاك، والحال أن الليبرالية قائمة على حرية الفرد حتى في مقابل الإرادة الإلهية.
- جاء في الموسوعة الأمريكية الأكاديمية: (إنّ النظامَ الليبرالي الجديد... بدأ يضعُ الإنسانَ بدلاً من الإله في وسط الأشياء، فالناس بعقولهم المفكّرة يمكنهم أن يفهموا كل شيء، ويمكنهم أن يُطوّروا أنفسَهم ومجتمعاتِهم عبر فعلٍ نظاميٍّ وعقلاني). أي بحسب هذه الرؤية، لم تَعُد هناك حاجة للتشريعات الإلهية، وأصبح الإنسان حرّاً في أن يصوغ لنفسه ما يشاء من القوانين، هذا جزء أصيل في مفهوم الليبرالية، وهو يتعارض بشكل واضح مع مفهوم وحقيقة العبودية لله سبحانه.
- الحرية شيء جميل وركنٌ أساسيٌّ في وجودنا وفي تفاعلنا مع الحياة، وهِبةٌ إلهية لا نتنازل عنها، ولكنْ أمام الإرادة الإلهية يجب أن يكون كلُّ واحدٍ منّا قِنّاً داخراً لله كما قال إمامنا الصادق (ع)، فما يراه الله جميلاً يجب أن تراه جميلاً، وما يراه الله قبيحاً يجب أن تراه قبيحاً، وما أمرك الله به فلا حرية لك في رفضه، وما نهاك الله عنه فلا حرية لك في فعله، وذلك جوهر الدعوة في كل رسالات الله، والعمود الفِقَري لكلِّ رسالةٍ سماوية: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [البقرة:131-132].