خطبة الجمعة 30 جمادى الآخرة 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: السلام في رجب

- قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة: 36].
- تتحدث الآية الشريفة عن جَعل تكويني مرتبط بالزمن، وجَعل آخر تشريعي، تدلّ بعض الأخبار على أنه شُرِّع على عهد الخليل إبراهيم (ع)، وهو مرتبط بالأشهر الحُرم، ومنها شهر رجب الذي نحن على أبوابه.
- وحيث قابَلت ذلك تشريعات أخرى ترتبط بالزمن وكانت من وضع البشر، من قبيل (النسيء) أي تبديل الأشهر الحُرم،فقد أخبر تعالى في هذه الآية أن تشريع الأشهر الأربعة الحُرُم هو الدين القيّم، أي النظام التشريعي الإلهي المهيمن على سائر التشريعات المقابلة، والذي يجب الالتزام به وإلغاء ما يعارضه، وإلا كان المردود السلبي لذلك راجعاً على المخالفين: (فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ).
- فتشريع الأشهر الحرم مرتبط في الأساس بموسمي الحج والعمرة، ذوالقعدة وذوالحجة ومحرم للحج، ورجب للعمرة، إذ كان الناس بحاجة إلى ضمان أمن طريق السفر فيها لبلوغ بيت الله الحرام، فإذا التزم الجميع بحُرمة تلك الأشهر وامتنعوا عن الإغارة والحروب، وأمِن المسافرون على أنفسهم، أحسنوا لأنفسهم، وإن تمرّدوا على ذلك التشريع كانوا هم أوّل الخاسرين، فكما تعتدي يُعتدى عليك، وكما تَسلب الأمن من الآخرين، يُسلب الأمن منك، وأما إذا احترم الجميعُ التشريعَ كان الكل رابحاً.
- وإذا كان الأمر مرتبطاً في أصل تشريعه بطريق الحج والعمرة، فإنّ هذا لا يعني أنّ هذه الأشهر تفقد ذلك الامتياز خارج نطاقهما، إذ يريد اللهُ للناس عموماً أن يجرّبوا الإحساس بالأمن والسلام ولو في فترات زمنية محدودة، فلعل ذلك الإحساس يدفعهم إلى أن يُخفّفوا على الأقل من حالة الصراع والعنف المتبادل فيما بينهم. وإذا كان الأمر ميئوساً منه على مستوى الدول والحكومات، فلنسْعَ نحن كأفراد أن نجعل من أيام شهر رجب أيام سلام وأمن في علاقاتنا البينية، ولنتذوّق حلاوةَ ذلك.
- والصيام وذكر الله كثيراً مما يعينان الإنسان في تحقيق هذه الغاية، وضبط النفس، وتهدئة القوى الغضبية، ولعل هذا من أسباب الجرعات المضاعفة المستحبة في أعمال شهر رجب. نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لكل ذلك.