الملائكة يترصدون للجن ويرجمونهم بالشهب !! سورة الصافات 4-11

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ، إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (1-4)
- أقسم الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة بمجاميع الملائكة الذين يقومون بهام مختلفة ترتبط بإيصال الوحي والرسالة الإلهية إلى النبي (ص)، وهو موكب عظيم، وجواب القسم يستحق هذا القسم بالأمر العظيم، لأنه عظيم، وهو تأكيد وحدانية الله لا ألوهيته، لأنه كانوا يؤمنون بألوهيته سبحانه، ولكن مشكلتهم في توحيده، ولذا قال: (إِلَهَكُمْ).
رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ / 5
- وحيث أنه إله واحد ولا شريك له في الألوهية، لذا استدعى ذلك تقديم جواب على سؤال افتراضي مفاده: مَن يقوم إذاً بإدارة شئون هذا الوجود، بسماواته وأرضه وما فيها من مخلوقات؟ لأنه وفق عقيدة الشرك تقوم الآلهة المتنوّعة بذلك، بحيث يقوم كل إله بمهمة أو مهام معيّنة.
- فجاءت هذه الآية الشريفة لتقدِّم الإجابة: إلهكم الواحد هو (رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ). هو الإله وهو الرب، هو الخالق وهو المدبّر لأمور الوجود.
- وتخصيص (المَشارِقِ) بالذكر دون سائر الجهات، لأنها أحوال مشهودة كل يوم.
- وجاءت بالجمع (المَشارِقِ) إما بلحاظ:
1. تكرّر شروق الشمس كل يوم.
2. الاختلاف في مواعيد شروق الشمس في الموقع الجغرافي الواحد.
3. اختلاف مشارق الشمس بالنسبة إلى المواقع الجغرافية المختلفة.
4. اختلاف مشارق الشمس خلال فصول السنة، أو أوائلها.
- وقد عبّر القرآن الكريم عن مطلع الشمس تارة بالمفرد، كقوله تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا) [المزمل:9]، وتارة بالمثنّى: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) [الرحمن:17]، وتارة بالجمع كالآية التي ندرسها.
- أما الإفراد فبمراعاة الجهة دون الفصْل، أما التثنية فبلحاظ الفصلين، الشتاء والصيف، فمشرق الشمس في الشتاء مختلف عن مشرق الشمس في الصيف، وأما الجمع فبما ذكرنا.
( إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ ، وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ) 6-7
- جاءت هذه الآية في مقام الامتنان على الناس بأن جعل لهم في السماء الدنيا -أي القريبة منا- زينة، وهي الكواكب، التي تشمل -لغوياً- النجوم أيضاً، ولا تشمل الشمس والقمر. ومن المعلوم أن النجوم والكواكب ليست قريبة من الأرض، وقد تكون النجمة من مجرة أخرى، ولكنها بحسب الناظر
إليها من الأرض، تزدان بها السماء القريبة منه.
- وقد تكرر في القرآن الكريم حديث تزيين السماء الدنيا بزينة، وفي أغلبها ذِكر لدورها في الحفظ أيضاً، قال تعالى: (وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [فصلت: 12]، وقال سبحانه: (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ) [الملك:5]، وقال عز اسمه: (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ، وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ، إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ) [الحجر: 16-18].
- والمراد بالشيطان الشرير من الجن، والمارد الطاغي العاتي.
- فالمنّة الأخرى أن لهذه الكواكب دوراً غيبياً بالنسبة إلينا، حيث تعمل على منع الشياطين المردة من محاولات اختراق نظام إيصال الوحي وحفظه وما يدور من أحاديث في عالم الملائكة، بالتجسس ومحاولة التأثير عليه، حيث يكون لبعض الأجرام السماوية دورٌ في طردهم بعيداً ومنعهم من تحقيق مرادهم بالرجم بالشهب.
- وهل هذا خاص بالوحي النازل على الرسل، أم بمطلق الأوامر الإلهية؟ وهل كل شهاب نراه في السماء هو ردّة فعل على محاولة اختراق شيطانية؟ كل هذا غير واضح لنا، وهو من الغيب، وإن كان الأقرب استمرار ذلك بلحاظ طبيعة الشيطنة فيهم، ولكن يبدو أنه عند إنزال الوحي للأنبياء تكون هناك تدابير استثنائية.
- قال تعالى على لسان مجموعة من الجن: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء) طلبناها كما نقول التمسنا كذا وكان هذا عند بعثة النبي (ص) (فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا، وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) [الجن:8-10]. ولعل في الآية الأخيرة دلالة على أن هذا الوضع الاستثنائي عهدوه عند إنزال عذاب الاستئصال أيضاً ببعض أهل الأرض، كما في قضية النبي نوح وصالح ولوط.
- والحفظ من الشياطين حكمة من حكم خلق الأجرام السماوية، لأنها خُلقت قبل استحقاق الشياطين الرجم، فإن ذلك لم يحصل إلا بعد طَرد إبليس من عالم الملائكة.
( لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ ، دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ ، إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) 8-10
- هذا الحفظ من كل شيطان مارد نتيجته أنهم (لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ) أي انتفى بذلك الحفظ سَمع الشياطين للملأ الأعلى.
- وحرف { إلى } يتضمّن دلالة على أن الرمي بالشهب لا يتركهم منتهين إلى الملأ الأعلى انتهاء الطالب المكان المطلوب، بل تدحرهم قبل وصولهم، فلا يحصلون على شيء من عِلم ما يجري في الملأ الأعلى، ولكن شيطنتهم تدعوهم لتكرار المحاولة المرة تلو الأخرى.
- (لاَّ يَسَّمَّعُونَ) أصله لا يَتسمعون، فقلبت التاء سيناً للإِدغام، والتسّمع تطلّب السمع وتكلّفه، فالمراد التسمع المباشر، وهو الذي يتهيأ له إذا بلغ المكان الذي تصل إليه أصوات الملأ الأعلى.
- وإسناد فعل (يُقْذَفُونَ) للمجهول لأن القاذف معلوم، وهم الملائكة الموكّلون بالحفظ، المشار إليه في قوله تعالى: (وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَٰهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) [الجن: 8].
- (دُحُوراً) أي أنهم يُطردون ويُبعَدون ويضطرون إلى التراجع قبل وصولهم المكان المطلوب.
- (وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِب) دائم، فبالإضافة إلى الطرد المهين، ينتظرهم عذاب دائم في الآخرة.
- (إلاَّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ) الخطف: ابتدار تناول شيء بسرعة، و (الخَطْفَةَ) المرة منه.
- والجملة استعارة للدلالة على الإِسراع بسمع ما يستطيعون سمعه من كلام غير تام.
- (فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ) الشهاب: القبس والجمر من النار. وقد يكون المراد به هنا النيزك . والثاقب الخارق، أي الذي يترك ثَقباً في الجسم الذي يصيبه، أي ثاقب له.
{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } 11
- فسَلْهُم عن إنكارهم البعث وإحالتِهم إعادةَ خلقهم بعد أن يصيروا عظاماً ورفاتاً، أخَلْقُهم حينئذٍ أشدّ علينا أم خلق تلك المخلوقات العظيمة وهذه الإدارة الرائعة؟
- الطينُ التراب المخلوط بالماء. واللازب اللاصق بغيره.