ما هي الصافات والزاجرات والتاليات ذكرا ؟ تلاوة وتفسير الصافات 1-11

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ، إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (1-4)
- يقسم الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة، والقسم يكون بأمر أو شيء عظيم، فما هو هذا الأمر أو هذا الشيء؟
- لاحظوا أننا هنا لا نسأل عن معنى الآيات، بل عن تأويلها... فكثيرون يقولون نحن لا نفهم القرآن، كيف يطلب القرآن التدبّر فيه... القرآن لا يفهمهم إلا الخواص... وهذه الفكرة غير دقيقة... فنحن يمكننا أن نفهم القرآن بأنفسنا، ولكن مشكلتنا في التأويل، وجانب من هذا التأويل هو معرفة من أو ما هو المقصود بما ذُكر في الآيات.
- مثلاً، عندما أقول: (أحيي كل المعلمين المشاركين معنا في هذه الجلسة) هل المعنى واضح؟ أي نعم، كلنا فهمنا المقصود من الجملة... ولكن المشكلة تتمثّل في تحديد المقصودين بها... وهو
جواب السؤال التالي: مَن مِن الحضور معلم؟
- ولذا عندا نقرأ (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) نعرف معنى الصف، فإما أن يكون بمعنى أن هناك مجموعة تقف بجانب بعضها البعض في خط واحد، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ) [الصف:4]، أو بمعنى مدّ الطير جناحه خلال عملية الطيران، كما في قوه تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) [الملك:19]... ومشكلتنا في تحديد من يقف بجانب بعضه البعض، من هم أو ما هم؟ أو في تحديد الماد لجناحيه، من هم أو ما هم؟
- وهكذا الأمر في قوله تعالى: (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا) فالزجر يعني المنع مع التخويف أو الحثّ العنيف، ولكن من أو ما المقصود به هنا؟ هذا هو السؤال.... وكذلك بالنسبة إلى تلاوة الذِّكر
(فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا).. هنا يقع عادة ما يُعرف بعنوان (التفسير بالرأي) وبحسب المزاج والهوى أو بلا دليل وهو بنحو أدق (التأويل بالرأي). وهو منهي عنه كما نعرف، وفي القرآن تحذير من ذلك.
- فما هو تأويل (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا ، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا)؟ ما هي الطوائف الثلاث التي يقسم بها الله هنا؟
- فقيل: إن المراد بها الملائكة تصف أنفسها في السماء صفوفا كصفوف المؤمنين في الصلاة.
وقيل: إنها الملائكة تصف أجنحتها في الهواء إذا أرادت النزول إلى الأرض واقفة في انتظار أمر الله تعالى.
وقيل: إنها الجماعة من المؤمنين يقومون في الصلاة أو في الجهاد مصطفين.
وأما الزاجرات فقيل: إنها الملائكة تزجر العباد عن المعاصي فيوصله الله إلى قلوب الناس في صورة الخطرات كما يوصل وساوس الشياطين.
وقيل: إنها الملائكة الموكَلة بالسحاب تزجرها وتسوقها إلى حيث أراد الله سبحانه.
وقيل: هي زواجر القرآن، وهي آياته الناهية عن القبائح.
وقيل: هم المؤمنون يرفعون أصواتهم بالقرآن عند قراءته فيزجرون الناس عن المنهيّات.
ولكن لما كانت هذه الطوائف الثلاث مترابطة، بلحاظ استعمال الفاء، لذا علينا أن نستبعد التأويل غير المترابط كقولهم (زواجر القرآن)، فكيف نربط هذا التأويل بما قبله وبعده؟
و أما التاليات فقيل: هم الملائكة يتلون الوحي على النبي الموحى إليه.
وقيل: هي الملائكة تتلو الكتاب الذي كتبه الله وفيها ذكر الحوادث.
وقيل: جماعة قراء القرآن يتلونه في الصلاة.
- الاحتمال الذي استقربه العلامة الطباطبائي جاء كالتالي: (يحتمل - و الله العالم - أن يكون المراد بالطوائف الثلاث المذكورة في الآيات طوائف الملائكة النازلين بالوحي المأمورين بتأمين الطريق ودفع الشياطين عن المداخلة فيه وإيصاله إلى النبي مطلقا أو خصوص محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يستفاد من قوله تعالى: [عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا] الجن:26 - 28. وعليه فالمعنى أقسم بالملائكة الذين يصفون في طريق الوحي صفا فبالذين يزجرون الشياطين و يمنعونهم عن المداخلة في الوحي فبالذين يتلون على النبي الذكر و هو مطلق الوحي أو خصوص القرآن كما يؤيده التعبير عنه بتلاوة الذكر. ويؤيد ما ذكرنا وقوع حديث رمي الشياطين بالشهب بعد هذه الآيات) وهي الآية الثامنة ([لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ]، وكذا قوله بعدُ) وهي الآية 11 ([فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لّازِبٍ]).
- ثم ردّ العلامة على إشكال مفاده أن النازل بالوحي هو جبريل: (قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ) [البقرة:97]، وقوله (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ) [الشعراء:193-194] فكيف تقول أن المراد هنا الملائكة الذين ينزلون بالوحي؟
- الجواب: أن الملائكة المذكورين أعوان جبرئيل، فنزولهم به نزوله به، وقد قال تعالى: (فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ، مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ) [عبس:13-16].
وقال سبحانه: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) [مريم:64].
- إشكال آخر: التعبير هنا عن الملائكة جاء بلفظ التأنيث، والله ينف يكون الملائكة إناثاً.
- الجواب: لا ضير في ذلك، لأن موصوفها الجماعة، والتأنيث لفظي.
- وأعتقد أن الإجابة حول سؤالنا الذي بدأنا به حول تحديد المقصودين بالصافات والزاجرات والتاليات تمّ تقديمها في نفس السورة حيث قال تعالى بشأن الملائكة: (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ... وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) [150-165]، الصف.
(لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ) [8]، وهذا هو الزجر.
وإذا فسرنا تلاوة الذكر بأنه الوحي، فقد قال تعالى: (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) [181]، فهم مرسلون إلى المرسلين من البشر، يتلون عليهم كلام الله (الذكر).
وإذا فسرنا معناه بأنه مطلق ذكر الله، فقد قال تعالى عنهم: (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) [166].