خطبة الجمعة 16 جمادى الآخرة 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الخمر والميسر.. معالجة قرآنية

- قال تعالى: (يَسْـألُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ للنّاس وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة:219].
- جاء السؤال حول الخمر والميسر انطلاقاً -بحسب الظاهر- من كونهما من العادات المتأصّلة الجذور في حياة النّاس آنذاك، ما يجعل من تحريمهما، أو الاتجاه نحوه، مشكلةً اجتماعيّةً صعبةً.
- لاسيما وأن شرب الخمر -في نظرهم- يُخفّف كثيراً من أثقال النّفس وهمومها وأحزانها، وربما يجدون في أنفسهم بعض الحاجة إلى الهروب من الواقع المرير إلى واقعٍ لا أثر فيه للمشاكل.
- وكذلك فإن الميسر من أبواب الربح المادي، وهو يتحوّل تدريجياً إلى إدمان يصعب تركه.
- وجاء الجواب مراعياً لهذه التصوّرات، فبدأ بإثارة الجوانب السلبيّة بإزاء الجوانب الإيجابيّة، ليفكّروا فيها بهدوء، ليصلوا بأنفسهم إلى قناعة فكرية وشرعية بهذا الشأن.
- فمن تأثيرات الخمر السلبية أثرها على الحياة الروحيّة الّتي يعيش فيها النّاس مع اللّه، لأنَّ الخمر تذهب بالعقل، وتُبعِد الإنسان عن ذّكر الله وعن الصّلاة.
- ومنها الآثار الاجتماعية المترتبة على العداوة والبغضاء، فالإسلام قد سعى لبناء العلاقات على أٍس سليمة وأحاطها بمجموعة تشريعات وإجراءات وتوصيات، إلى درجة أنه أسس علاقة الأخوة الإيمانية، فكيف يسمح لممارسة كشرب الخمر أو الميسر أن يُفسد ذلك كله ويعطّله؟
- ومن هنا، وجّه القرآن الكريم سؤالاً، يقصد منه الاستنكار وطلب الكفّ عن هاتين العادتين، بقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّه وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ) [المائدة: 91].
-أي إن كان لكم شيء من العقل، فإن عليكم أن تبادروا بأنفسكم، ومن دون حاجة إلى تعليمات خارجيّة، لترك ما يُفسد عليكم أمر حياتكم وقضيّة مصيركم.
- وإذا كان في الخمر شيء من المنافع، فهل يَقبل العقل أن يرتكب الإنسان الفعلَ الّذي يضرّه بنسبة كبيرة، لتحصيل منفعة ليست بذاك المستوى من الأهميّة؟
- إنّ من جميل أسلوب القرآن الكريم في معالجة هذه المشكلة الاجتماعية والسلوكية أنه لم يزد شيئاً على تقرير الحقيقة الواقعيّة في الخمر والميسر، فلم يقُل للمسلمين ما يجب عليهم أن يفعلوه، بل ترك الأمر لهم ليوازنوا وليفكّروا وليصلوا إلى النتيجة الحاسمة المنسجمة مع العقل بتحريم الخمر والميسر بشكل نهائيّ، وهو الأسلوب الذي نحتاج اعتماده أحياناً في معالجتنا لمثل هذه الموضوعات الحساسة، علاوة على مراعاة الموضوعية في تقييم الأمور، فقد تكون للمبالغة في بعض الأوصاف والابتعاد عن الموضوعية مردوداتٌ سلبية لا تصبّ في صالح القضيّة الحقّة، والنتيجة المرجو تحقيقها.