خطبة الجمعة 9 جمادى الآخرة 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: كل شئ في عين الله


- قال تعالى (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)[الجاثية:14-15]
- نزلت الآيتان في مرحلة دعوة النبي(ص) قومَه إلى الإيمان.. حيث كان يدعوهم فيها بكل صور المحبّة، والقلب الرحيم، وأمنيات الخير لهم، التزاماً بقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125]، بينما كان يُواجَه بكل صور الاضطهاد، والعُنف، والقهر، والحصار، وما إلى ذلك.
- في هذه الأجواء، كان بعض المؤمنين تأخذهم الحماسة، فيتحفّزون للمواجهة، وللدفاع عن أنفسهم بالقوة والعُنف، ولكنْ كان الله يدعوهم إلى المزيد من الصبر في الدعوة، والصفح عنهم (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) فليتجاوزوا، فليتسامحوا، فليعفوا، فلربما اهتدوا، ولربما كان التصادم معهم يدفع لتعقيد الأمور، وإغلاق الطرق أمام المشركين للتراجع ولتصحيح مواقفهم باتّباع الرسول والرسالة.
- فالله إنما يريد هداية هؤلاء القوم، ولو أراد القضاء عليهم وإبادتهم لما كان ذلك عليه بعسير.
- وإلى جانب هذه الرسالة، تحمل الآية الشريفة رسالةً أخرى، وهي هذه المرة رسالةُ طمأنةٍ للمؤمنين وتهدئةٍ لنفوسهم، بأنّ ما يلاقونه من شدائد على يد المشركين لن يذهب سُدىً، فجزاؤهم بالحُسنى محفوظ، ومصير المشركين المعتدين أحدَ اثنين، إما الهداية، فستكون هذه جائزة معجّلة للمؤمنين بنجاحهم في مهمّتهم، وإما العذاب في الآخرة، نكالاً بما ألحقوه بالمؤمنين المسالمين الذين ما كان ذنبهم (إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّه) [الحج:40]، فلا تستعجلوا إصدار الأحكام النهائية بحق أعدائكم، ولا تستعجلوا العقوبة بحقّهم، ولا تقلقوا من خلط الأوراق، وضياع الحقائق، وأخذ المحسن بالمسيء، فكلُّ شيء في عين الله.
- وإذا كان الأمر مع المشركين المعادين والمعاندين والمضطهِدين بهذه الصورة من التسامح، وهم يمثّلون واحدةً من أخسّ صور الخصوم، فمن باب أولى أن تكون هذه هي طبيعة الموقف مع مَن هم أدنى منهم في مستوى الخصومة عندما تصدر منهم الإساءة.
- وسأتوقف في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى عند بعض الأمثلة التوضيحية.