خطبة الجمعة 24 جمادى الأولى 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: تمهّلوا .. يرحمكم الله

- تناولت في الأسبوع الماضي جانباً من الدعاء السادس من الصحيفة السجادية بعنوان (وكان من دعائِهِ عند الصباح والمساء)، وذكرت هناك أن زمن جائحة كورونا ليس سلباً بالمطلق، وأن في البين إيجابيات علينا أن نلحظها ونستفيد منها، وربطت ذلك بشيء مما جاء في هذا الدعاء.
- ونتوقف اليوم مع إيجابية أخرى ومقطع آخر من الدعاء حيث قال (ع) في بدايته: (فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيْـلَ لِيَسْكُنُوا فِيْهِ مِنْ حَرَكَاتِ التَّعَبِ، وَنَهَضَاتِ النَّصَبِ، وَجَعَلَهُ لِبَاساً لِيَلْبَسُوا مِنْ رَاحَتِهِ وَمَنَامِهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ جَمَاماً وَقُوَّةً، وَلِيَنَالُوا بِهِ لَذَّةً وَشَهْوَةً. وَخَلَقَ لَهُمُ النَّهارَ مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فِيهِ مِنْ فَضْلِهِ، وَلِيَتَسَبَّبُوا إلَى رِزْقِهِ، وَيَسْرَحُوا فِي أَرْضِهِ، طَلَباً لِمَا فِيـهِ نَيْلُ الْعَاجِلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَدَرَكُ الآجِلِ فِيْ أُخْراهُمْ).. هناك تنظيم إلهي للزمن، وانقسام اليوم إلى ليل ونهار، ولكلِّ قسمٍ خصائصُه، وهذا يستدعي برمجة أيامنا على هذا الأساس.
- قبل الجائحة كنا في حالة استسلام لتيار الروتين اليومي الجارف، ولسرعة إيقاع الحياة، وكان من الصعب لأحدنا أن يقاوم هذا التيار الجارف ويُغيّر نمط حياته، ويُصلح برنامجَه اليومي.
- ولكن جاءت الفرصة مع الإغلاق الكامل أو الجزئي، والتخوّف من التخالط الاجتماعي، كي نتمهّل قليلاً، ونُقيّم علاقتَنا بالزمن، ونعيد برمجة الجدول اليومي، ونغيّر من طبيعة الأنشطة والأعمال التي كنا نقوم بها، ونعيد التفكير في كيفية الاستفادة من الوقت.
- تجربة عشناها وتذوَّقنا طعمَها بحلاوتها ومرورتها، وأحسسنا بالزمن أكثر من أي وقت آخر.. ويُفترض بهذا أن يدفعنا كي نفكّر في تعديل جدولنا اليومي لضبط إيقاعه بالصورة التي نريدها، لا بالصورة التي يفرضها علينا التيار الجارف للحياة، ويحرمنا من الكثير من الأمور المفيدة التي نتمنّى إنجازَها، ولكننا كنا عاجزين عن ذلك.
- قبل سنة من الجائحة تقريباً، تحدثتُ عن ضرورة التحكم في الزمن وإبطاء إيقاع الحياة، وذلك في خطبة بعنوان (ساعة بعقرب واحد)، أتمنّى أن تعيدوا الاستماع إليها لتتضح الفكرة أكثر، وجئت هناك بمثال أعيد ذِكره لأنّه يُلخّص الموضوع: تخيّل لو أنك تقود سيارة بسرعة جنونية، ومِن حولِك سيارات وأفراد يقطعون الطريق.. وعلى جهتي الطريق مناظر خلابة.. أشجار وحدائق وأبنية جميلة.. كيف سيكون عليه الوضع؟ وإلى أي مقدار يمكنك التحكّم في السيارة أمام مفاجئات الطريق؟ وإلى أي مقدار يمكنك أن تلحظ جماليات الطريق أو أن تستمتع بقيادة السيارة؟
- سرعة إيقاع الحياة طالت كل شيء، وسائل المعرفة.. اختيار زوجة المستقبل.. نوعية الغذاء.. الترقّي في المناصب الوظيفية والعلمية.. تكوين الثروة.. وغير ذلك.. كلها على طريقة الوجبات السريعة.
- كنّا بحاجة إلى أن نسترجع شيئاً من الهدوء والطمأنينة في حركتنا، لتكون أكثر اتزاناً وتوافقاً مع العقل والحكمة.. وجائحة كورونا بكل مساوئها جاءت بهذه الفرصة، وحيث أن التجربة ما زالت قريبة عهد، بل وفي بعض البلاد ما زالت قائمة، لذا فالمطلوب أن نتوقّف قليلاً ونفكّر ونُبرمج علاقتَنا بالزمن، ونَضبطَ إيقاعَ حياتِنا، فكل ما هو خلاف فطرة الوجود ستكون له نتائجه الوخيمة.