من يفتح خزائن الله ؟ تلاوة وتفسير سورة فاطر 1-7

مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ / 2
- عطف على { فاطر السماوات والأرض } الخ. والتقدير: (وفاتح الرحمة للناس وممسكها عنهم فلا يقدر أحد على إمساك ما فتحه ولا على فتح ما أمسكه).
- والتعبير بكلمة (يَفْتَحِ) للرحمة، للتمثيل، كأن هناك خزائن تحتوي على نفائس وأشياء ثمينة، ولها أبواب وأقفال، ثم يصدر الأمر بفتحها والإعطاء منها لمن يتنافسون على ما فيها.
- الإِمساك حقيقته أخذ الشيء باليد مع الشدّ عليه بها لئلا يسقط أو ينفلت وهو هنا مجاز عن الحبس والمنع بدليل مقابلته بالفتح.
- فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ : الإِرسال ضد الإِمساك، أي ترك الشيء من اليد ليسقط أو ينفلت.
- و { مِن بَعْدِهِ } بمعنى من دونه، أي فلا مرسل له دون الله. أي لا يقدر أحد على إبطال ما أراد الله من إعطاء أو منع والله يحكم لا معقب لحكمه.
- وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ فلا غالب له في حُكمه، ولا يفعل شيئاً إلا عن حكمة.

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ ٱللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } 3
- لما جرى ذكر رحمة الله التي تعم الناس كلهم، أقبل على خطابهم بأن يتذكروا نعمة الله عليهم الخاصة، وهي النعمة التي تخص كل واحد بخاصته، فيأتلف منها مجموع الرحمة العامة للناس كلهم، وما هي إلا بعض رحمة الله بمخلوقاته.
- والمقصود من تذكر النعمة شكرها وقدرها قدرها.
- والمراد بالذكر هنا التذكر بالقلب وباللسان، ولو كان ذكراً باللسان فقط لكان هذياناً، ولو كان بالقلب فقط لكان كتماناً، وكلاهما غير مقصودين.
- وليس المراد هنا مطلق التذكر بمعنى الاعتبار والنظر في بديع فضل الله، فذلك له مقام آخر، بل المراد خصوص ما يرتبط بدليل الوحدانية والقدرة والفضل.
س: { غَيْرُ } وصف لخالق، وخالق مجرور، فلماذا رُفع الوصف بينما الموصوف مجرور؟
ج: رفع { غَيْرُ } على اعتبار محلِّ { خَالِقٍ } المجرور بــــ { مِنْ } لأن محله رفع بالابتداء.

- يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ: للتذكير بتعدد مصادر الأرزاق، فإن منها سماوية كالمطر الذي منه شراب، ومنه طُهور، وسبب نبات أشجار وكَلأٍ، وكالضياء من الشمس، والاهتداء بالنجوم في الليل، وكذلك أنواع الطير الذي يُصَاد، كلّ ذلك من السماء. ومن الأرض أرزاق كثيرة من حبوب وثمار وزيوت وفواكه ومعادن وكلأٍ وكمأة وأسماك البِحار والأنهار.
- { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } هذا نتيجة عقب ذكر الدليل، فبعد ذكر انفراده (تعالى) بالخالقية والرازقية، ذَكَر انفراده بالإِلهية، لأن هذين الوصفين هما أظهر دلائل الإِلهية عند الناس.
- فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ : استفهام عن حالة انصرافهم مستعمل في التعجيب من انصرافهم عن الاعتراف بالوحدانية. { تُؤْفَكُونَ } مبنيّ للمجهول من أَفَكَه، إذا صرفه وعدل به، فالمصروف مأفوك. وحذف الفاعل هنا لأن آفكيهم أصناف كثيرون، أو بغض النظر من يأفكهم، أو لأنهم معلومون، فهم تابعون لمن يصرفهم، وهم أولياؤهم وكبراؤهم.
{ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } 4
- وإن استمرّوا على انصرافهم عن قبول دعوتك، ولم يشكروا النعمة ببعثك، فلا عجب، فقد كُذّب أقوام من قبلهم رسلاً من قبل... وهو انتقال من خطاب الناس إلى خطاب النبي (ص).
- لما استبان صدق النبي (ص) في دعوته إلى التوحيد وبالحجة، عرَّض إلى الذين كذبوه بمثل عاقبة الذين كذّبوا الرسل من قبله، وقد أدمج في خلال ذلك تسلية الرسول على تكذيب قومه إياه، بأنه لم يكن مقامه في ذلك دون مقام الرسل السابقين، وهي طاقة تحفيزية له (ص) للاستمرار.
- لم يعرّف { رُسُلٌ } وجيء به منكّراً لما في التنكير من الدلالة على:
1. تعظيم أولئك الرسل - 2. وكثرتهم - 3. وتنوع آيات صدقهم... ومع ذلك كذبهم أقوامهم.
- وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ : إلى الله ترجع الأحوال كلها، يتصرف فيها كيف يشاء، فهو إنذار وتهديد ضمني للمكذبين.

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } 5
- أعيد خطاب الناس إعذاراً لهم وإنذاراً بتحقيق أن وعد الله الذي وعده من عقابه المكذبين في يوم البعث هو وعد واقع لا يتخلف.
- وتأكيد الخبر بــ { إِنَّ } مع عموميته لكل الناس بما في ذلك المؤمنون، قديكون:
1. لأن الخطاب للمنكرين منهم.
2. أو لتغليب فريق المنكرين على المؤمنين لأنهم أحوج إلى تقوية الموعظة.
- إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ : الوعد هو الإِخبار عن فعل المخبِر شيئاً في المستقبل، والأكثر أن يكون فيما عدا الشر، ويُخص الشر منه باسم الوعيد، وهو هنا مستعمل في القدر المشترك. قال تعالى {الشيطان يعدكم الفقر} سورة البقرة 268.
- الحق هنا مقابل الكذب. والمعنى أن وعد الله صادق. ووصفه بالمصدر مبالغة في حقيته.
- أي وعد هذا؟ المراد به الوعد بحلول يوم جزاء بعد انقضاء هذه الحياة، كما دل عليه تفريع { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } الآية.
- الغُرور، والتغرير: إيهام النفع والصلاح فيما هو ضرّ وفساد.
- إسناد التغرير إلى الحياة إسناد مجازي، لأن الغَارَّ للمرء هو نفسه المنخدعة بأحوال الحياة الدنيا.
- وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ: الغَرور: هو الشديد التغرير. والمراد به الشيطان، الذي يوهم الناس بتزيين القبائح لهم تمويهاً بما يلوح عليها من محاسن تلائم نفوسهم.
- بِٱللَّهِ : أي بشأن الله، أي ما له علاقة بنقض هدى الله.

{ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } 6
- من هو الغَرور المخادع؟ بيّنت هذه الآية شخصه، فالغَرور هو الشيطان.
- ولماذا يغرّنا؟ ما مصلحته؟ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ .
- فهناك وعد حق، وهناك من يريد أن يصدّ الإنسان عن جانب الخير في هذا الوعد الحق، لعداوته له، وهذا يتطلّب موقفاً يتمثّل في التعامل معه على أنه عدو وعدم الاغترار بوعوده.
- تأكيد الخبر بحرف التأكيد لقصد تحقيقه، لأنهم بغفلتهم عن عداوة الشيطان كحال من ينكر أن الشيطان عدوّ.
- تقديم { لَكُمْ } للدلالة على العناية الإلهية بالإنسان، فالضرر يعود عليهم إن اغتروا به، ولا يلحق بالله سبحانه، ولأنهم إذا علموا أنه عدوّ لهم حقّ عليهم اتخاذه عدوّاً وإلا لكانوا في حماقة.
- ومن لوازم اتخاذه عدوّاً العملُ بخلاف ما يدعو إليه لتجنب مكائده ولمقته بالعمل الصالح.
- إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ: تعليل لجملة { فاتخذوه عدواً }. وجيء بها في صيغة حصر لانحصار دعوته في الغاية المذكورة، كيلا يتوهم أن دعوته تخلو عن تلك الغاية ولو في وقت مّا.
- لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ : يجوز أن تكون لام العلة فإن الشيطان قد يكون ساعياً لغاية إيقاع الآدميين في العذاب نكاية بهم، ويجوز أن تكون اللام لام العاقبة والصيرورة مثل{ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } القصص 8 .
- و{ ٱلسَّعِير } النار الشديدة، وغلب في لسان الشرع على جهنم.

{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } 7
- الآية بمقام الاستنتاج والخلاصة والنتيجة من كل ما تقدّم .