خطبة الجمعة 17 جمادى الأولى 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: في وداع سنة الكورونا


- الدعاء السادس من الصحيفة السجادية بعنوان (وكان من دعائِهِ عند الصباح والمساء)، وممّا جاء فيه: (اللَّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا فَلَقْتَ لَنَا مِنَ الإصْبَاحِ، وَمَتَّعْتَنَا بِهِ مِنْ ضَوْءِ النَّهَارِ، وَبَصَّرْتَنَا مِنْ مَطَالِبِ الأقْوَاتِ، وَوَقَيْتَنَا فِيهِ مِنْ طَوارِقِ الآفاتِ).
- لاشك أن سنة 2020 للميلاد كانت بالنسبة إلى البشرية سنة (جائحة كورونا) بامتياز، وفيها أصيب كثيرون بوفاة أحبتهم، أو خسران مصادر رزقهم، أو تعطّلها، أو غير ذلك من صور الشدائد النازلة في أجواء هذه الجائحة المفاجئة والكارثية، وما زالت هذه الجائحة تعمل عملها، وتُخلّف وراءها الضحايا، على مستوى البشر والحالة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ولا أحد يعلم متى وكيف ستنحسر هذه الجائحة، لتعود الأوضاع كما كانت من قبل.
- ولكننا – مع دخول السنة الميلادية الجديدة - بالإضافة إلى تتبّع النتائج الكارثية التي خلّفتها الجائحة، بحاجة أيضاً إلى أن نقف عند الإيجابيات التي تحققت أو يمكن تحقيقها من ورائها.
- ومن بين هذه النتائج الإيجابية، بروز الضعف البشري أمام مخلوق من أصغر وأضعف مخلوقات الله... مخلوق يستطيع أن يقتحم الجهاز التنفسي عند الإنسان ليدمّره، ومِن ثَمّ قد ينتقل عبر الدم ويجلّطه، وإلى الكليتين فيصيبهما بالعطل، وإلى صمّامات القلب فيوقفهما عن العمل!
- وكلّنا نتذكّر كيف انهارت بعض المنظومات الصحية العالمية أمام قوة هذه الجائحة، وهناك خوف حقيقي في هذه الأيام من تكرار ذات التجربة أو أسوأ منها مع التحوّر الجديد لهذا الفيروس.
- وبحسب أهل الاختصاص فإنّ كل فيروسات كورونا التي أصابت الناس على الكرة الأرضية لو جُمعت لم يتجاوز حجمُها مقدارَ السائل المتجمع في ملعقة متوسطة الحجم! وأن هذه الفيروسات لو صببنا عليها قطرات من سائل غسيل الأواني فإنها ستموت على الفور!
- قوة فتاكة في عين الضعف.. تدعو الإنسان إلى أن يتنازل قليلاً عن كبريائه وغروره وعُجبه بإنجازاته العلمية والتكنولوجية، ذاك الكبرياء والغرور والعُجب الذي دفعه في بعض المواقف إلى الإلحاد، أو الاستهزاء بالخالق، أو الطغيان في الماديات.
- وما أجمل كلمات إمامنا السجاد (ع) وهو يقول بعد ذلك المقطع السابق من الدعاء بما يعبّر من خلاله عن الحالة الإيمانية التي يجب أن يعيشها الإنسان في نظرته إلى الوجود: (أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَتِ الاَشْياءُ كُلُّهَا بِجُمْلَتِهَا لَكَ: سَمَاؤُها وَأَرْضُهَا، وَمَا بَثَثْتَ فِي كُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا سَاكِنُهُ وَمُتَحَرِّكُهُ وَمُقِيمُهُ وَشَاخِصُهُ، وَمَا عَلا فِي الْهَواءِ وَمَا كَنَّ تَحْتَ الثَّرى. أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ، يَحْوِينَا مُلْكُكَ وَسُلْطَانُكَ وَتَضُمُّنَا مَشِيَّتُكَ، وَنَتَصَرَّفُ عَنْ أَمْرِكَ، وَنَتَقَلَّبُ فِيْ تَدْبِيرِكَ. لَيْسَ لَنَا مِنَ الأمْرِ إلاّ مَا قَضَيْتَ، وَلا مِنَ الْخَيْـرِ إلا مَـا أَعْطَيْتَ).
- ثم يبيّن الإمام (ع) مسئوليتنا تجاه الزمن المقبل: (وَهَذَا يَوْمٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ وَهُوَ عَلَيْنَا شَاهِدٌ عَتِيدٌ) والأيام تجتمع لتكون سنة جديدة فكيف سنتعامل مع هذا الزمن القادِم؟ (إنْ أحْسَنَّا وَدَّعَنَا بِحَمْد، وَإِنْ أسَأنا فارَقَنا بِذَمّ. اللَّهُمَ صَلِّ عَلَى مُحَمَد وَآلِـهِ، وَارْزُقْنَـا حُسْنَ مُصَاحَبَتِهِ وَاعْصِمْنَا مِنْ سُوْءِ مُفَارَقَتِهِ بِارْتِكَابِ جَرِيرَة، أَوِ اقْتِرَافِ صَغِيرَة أوْ كَبِيرَة. وَأجْزِلْ لَنَا فِيهِ مِنَ الْحَسَناتِ وَأَخْلِنَا فِيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ. وَامْلأ لَنَا مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ حَمْداً وَشُكْراً وَأجْراً وَذُخْراً وَفَضْلاً وَإحْسَاناً).
- ولنا وقفة مجدّدة بإذن الله تعالى مع إيجابية أخرى من إيجابيات هذه الجائحة في ظل قراءتنا لدعاء الإمام زين العابدين (ع) عند الصباح والمساء.