خطبة الجمعة 27 ربيع الأول 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: المُحدِّث الذي لا يكذب


جاء في الخطبة 176 من نهج البلاغة: (وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَا يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ، وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ، وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، زِيَادَةٍ فِي هُدًى، أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى).
- عندما يرتبط الأمر بالدين والرسالة، فلا مجال للكذب واختلاق القصص والأساطير، فيجب أن لا يكون في البين سوى الحق والحقيقة. وحيث أن القرآن الكريم هو المصدر الأول للمعرفة الدينية بكل تفرّعاتها، فلا مجال لأن يكون فيه شيء سوى الحق والحقيقة.
- وحتى المجاز الوارد في القرآن ليس نوعاً من الكذب، من قبيل قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) [يوسف:82]، إذ أن القرية لا تُسأل، وهكذا في قوله: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق:30] فجهنم لا تتكلم، وغير ذلك، ولا يقول أحد أن هذا كذب... لماذا؟
- المجاز في القرآن وغيره، أسلوب بياني وبلاغي يساعد على تقريب الصورة المعنوية، ويُضفي عليها جمالاً.. والقرائن اللفظية أو العقلية تدلّنا على أن المتكلم لم يُرد المعنى الحقيقي، بل المجازي، أي أن القائل والقارئ (أو المستمع) قد علما أن المعنى الظاهري للألفاظ ليس هو المراد، فلا خداع في البين، وإنما يكون القول كذباً فيما لو كان في البين خِداع.
- ومن هنا، عندما نشاهد الأفلام والمسلسلات ونقرأ القصص الأدبية لا نتّهم الكاتب بأنه كاذب، لأننا متفقون معه سلفاً أنه قد كتب من وحي خياله، وأن الشخصيات وهمية، وما إلى ذلك.
- بالطبع، هناك من العلماء عبر التاريخ الإسلامي من أنكر وجود المجاز في القرآن، حتى لا يُقال أن في القرآن كذب، ولكنهم مشتبهون في ذلك، والمجاز موجود حتماً.
- وعلى كل حال، يجب أن يخلو الدين وتخلو الرسالة من الكذب، وإلا اختلط الحق بالباطل، وأفقدْنا الدين والرسالة واحدةً من أهم أسسها ودعائمها، وهي الثقة.
- لاحظ التدابير السماوية التي كانت تُتّخذ لضمان وصول الرسائل الإلهية إلى أحد الأنبياء تجنّباً لأي احتمال للتلاعب فيها: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا، لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ) [الجن:26-28].
- ومع هذا فقد ظهر في الوسط الديني أصناف من الناس تعمّدوا الكذب لمصلحة الدين بزعمهم، أو لمصلحة جيوبهم الخاصة، أو لأغراض أخرى كالشهرة، ومن بينهم القصّاصون الوعّاظ، فما هي حكايتهم، وكيف أثّروا سلباً فيما وصلنا من التراث الإسلامي على مستوى فهم القرآن الكريم، ومعرفة السيرة والتاريخ، وثقافتنا الدينية، وغير ذلك؟ هذا ما سنطلّ عليهم في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.