خطبة الجمعة 6 ربيع الأول 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: تفسير الإمام العسكري (ع)

- أشرت في نهاية الخطبة الأولى إلى (تفسير الإمام العسكري)، وتساءلت عن قصة هذا الكتاب، وعن قيمته العلمية. وهو كتاب مروي عن رجلين هما (يوسف بن محمد بن زياد) و(علي بن محمد بن سيار)، قالا فيه بأن الإمام (ع) أملاه عليهما، وذلك ضمن قصّة مدوّنة في بداية التفسير، والموجود منه حالياً مجلّد واحد يتناول تفسير الفاتحة وبعض سورة البقرة فقط.
- وجاء في كلامهما أن الإمام (ع) قال لهما: (وظّفت لكما كل يوم شيئاً منه تكتبانه، فالزِماني وواظِبا عليّ، يوفّر الله تعالى من السعادة حظوظَكما. فأول ما أملى علينا أحاديث في فضل القرآن وأهله، ثم أملى علينا التفسير بعد ذلك، فكتبنا في مدة مُقامنا عنده، وذلك سبع سنين، نكتب في كل يوم منه مقدار ما ننشط له).
- والسؤال المهم هنا: هل يمكن قبول نسبة هذا الكتاب إلى الإمام (ع)؟
- هناك أكثر من مشكلة يواجهها هذا الكتاب، وأولاها أنّ صاحبي القصة والكتاب مجهولان.
- قال السيد الخوئي في معجم رجال الحديث وهو يترجم للراوي الثاني (علي بن محمد بن سيار): (التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، إنما هو برواية هذا الرجل وزميله يوسف بن محمد بن زياد، وكلاهما مجهول الحال).
- المشكلة الأخرى أن الراوي عنهما هو (محمد بن القاسم الاسترابادي) وهو متهم بالضعف
والكذب بحسب العلامة الحلي، أو على الأقل هو مجهول الحال بحسب السيد الخوئي.
- المشكلة الثالثة التي يواجهها الكتاب هو المضمون، فالكتاب مليء بقصص أقلّ ما توصَف به أنها غريبة، ولم يذكرها أحد من قبل، كقصة الجِمال التي كانت مع بعض اليهود في المدينة، والملابس التي كانوا يرتدونها، فصارت كلها تتكلم لصالح النبي (ص) وتشهد له ولعلي (ع).
- بل وبعضها يكشف عن جهل واضعها بالتاريخ، وذلك من قبيل القصة الطويلة التي يُدّعى أنها دارت بين الحجاج وبين المختار الثقفي، حيث يأمر الحجاج باعتقاله، فلما تم ذلك، لم يستطيعوا قتله لأنهم أضاعوا مفتاح الخزانة التي فيها سيف الإعدام، فقال المختار: (لن تقتلني، ولن يكذب رسول الله، ولئن قتلتني ليحييني الله حتى أقتل منكم ثلاثمائة وثلاثة وثمانين ألفاً...) والطريف في الأمر أن المختار قُتل سنة 67هـ، بينما لم يتسلم الحجّاج أوّل ولاية له - وهي ولاية الحجاز - إلا بعد ست سنوات من ذلك، أي سنة 73 هـ.
- المشكلة الرابعة لغة الكتاب، فهي في مواضع عديدة لغة ركيكة لا تتناسب مع الأسلوب والبيان المعهود من الأئمة (ع)، والمفروض أن مضمون الكتاب لم يُروَ بالمعنى حتى يُقال أنها لغة الرواة، بل هو إملاء الإمام (ع) بشكل مباشر، وهذا يعني أنه نقلٌ لكلام الإمام بالدقة.
- من هنا قال السيد الخوئي في تقييمه: (الناظر في هذا التفسير لا يشك في أنه موضوع، وجَلّ مقامُ عالِم محقق أن يكتب مثل هذا التفسير، فكيف بالإمام عليه السلام؟!).
- والخلاصة، أن نسبة الكتاب للإمام العسكري (ع) لا يمكن أن تصح، وعلينا أن ننزّه إمامنا الحسن العسكري (ع) عن نسبته إليه، ولا يصح أن تغلبنا العاطفة في مثل ذلك، بل من مسئوليتنا أن ننزّه أئمتنا (ع) عما يمكن أن يسيء إليهم، وهذا الكتاب حاله حال أي كتاب آخر فيه روايات عن النبي (ص) أو الأئمة (ع)، لا بد من تمحيص ودراسة كل رواية فيه بمفرده، لنرى مدى مقبولية مضمونه من عدمه بحسب القواعد السليمة في دراسة الروايات.