خطبة الجمعة 6 ربيع الأول 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: أهل البيت (ع) وتأويل القرآن


- عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تَمَسَّكم بهما لن تضلّوا بعدي: كتابَ اللَّه وعترتي أهلَ بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوضَ).
- من المسئوليات التي نهض بها أئمة أهل البيت (ع) ما له علاقة بتفسير وتأويل القرآن الكريم.
- والفرق بين التفسير والتأويل أن التفسير يعني توضيح ما غمُض من ظاهر النص وبيان معناه، فعندما نقرأ قوله تعالى في قصة ذي القرنين: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَأَتْبَعَ سَبَبًا) [الكهف:84-85] ونسأل عن المعنى، فيأتي الجواب: (أي أعطاه الله المقدرة على التصرف في الأرض بالمُلك حسبما أراد والوسائل التي يستطيع من خلالها تحقيق ذلك، فاستخدمها)، فهذا من التفسير.
- وفي زمن النزول لم تكن هناك حاجة إلى التفسير، لأن القرآن نزل باللسان الدارج وبلغة واضحة يفهمها المخاطَبون، كما تدل على ذلك عدة آيات: (وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل:103]، (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف:2]، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:24]. وإنما كانوا بحاجة إلى من يوسّع لهم هذا الفهم، ويتعمّق فيه، ويفصِّل، ويقدّم لهم المصاديق والأمثلة التطبيقية، ويبيّن لهم سبب النزول، أو الخلفيات التاريخية لحدثٍ ما، إلخ.
- نعم، في زمن لاحق عندما صار المسلمون من قوميات مختلفة احتاجوا إلى التفسير، وقام أئمتنا (ع) أحياناً بهذا الدور، ولكن غالبية ما وصلنا عنهم هو من القسم الثاني، والذي نجمعه تحت عنوان التأويل، ويمكننا عرضه في نقاط كالتالي:
1. استيحاء الأفكار والمفاهيم من الآية، كما استوحى الإمام الباقر (ع) من ظاهر قوله تعالى: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) [عبس:24] فقال: (إلى علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه). فكما أن على الإنسان أن ينظر في طعام الجسد، كذلك فإن عليه أن يدقق في طعام العقل والروح،
2. بيان سبب نزول الآية، وفيمن نزلت، وتحديد اسم الشخصية المذكورة بالإجمال أو الوصف.
- قال جلال الدين السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن): (اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة... أما علي: فروي عنه الكثير، وقد روَى مُعمَّر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل قال: شهدتُ علياً يخطب وهو يقول: سلوني، فوالله لا تسألون عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أ بِلَيل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل)، كما نقل رواية أخرى: (عن علي قال: والله ما نزلت آية إلا وقد علمتُ فيم أنزلت، وأين أنزلت، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً سئولاً). وقد ورّث علي (ع) هذا العلم للأئمة من بعده.
3. بيان بعض مصاديق الآيات أو تطبيقاتها الخارجية، فعن حمران بن أعين قال: (سألت أبا جعفر (ع) عن ظهر القرآن وبطنه، فقال: ظهره الذين نزل فيهم القرآن، وبطنه الذين عملوا بأعمالهم، يجري فيهم ما نَزل في أُولئك).
- وفي حين أن الآيات التالية مرتبطة بالصراع بين النبي موسى(ع) وقومه وبين فرعون وأنصاره: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص:5]، فإن بعض الروايات تحدّثت عن ارتباطها بالإمام المهدي (ع)، أو بالأئمة، كما في المروي عن الإمام زين العابدين (ع): (والذي بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً، إن الأبرار منا أهل البيت وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته، وإن عدونا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه) وهذا من باب التطبيق.
4. بيان الأبعاد الغيبية في الآيات، كما في الآيات التي تتحدث عن يوم القيامة، أو عن
الملائكة، أو عن الذات الإلهية.. إلخ. ومن أمثلة ذلك سؤال حمران بن أعين للإمام الصادق (ع) عن المراد من الروح في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) قال: (هي روح الله، مخلوقة، خلقها في آدم وعيسى (ع)).
5. تقديم الأصول والقواعد الكلية التي نستعين بها في كل زمان لفهم القرآن والاستفادة منه، وذلك من قبيل المروي عن علي(ع): (وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ) فهي بمثابة القاعدة لكيفية فهم ما غمُض علينا من القرآن. وقدّم الإمام الباقر (ع) قاعدة أخرى إذ قال: (والآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام وماتوا ماتت الآية، لمات القرآن).
- بعد هذا الموجز عن جانب من الدور الذي نهض به أئمتنا (ع) تجاه القرآن الكريم، لابد من الإشارة إلى ضرورة التنبّه إلى أنه ليس كل ما روي عنهم في هذا المجال قد صدر عنهم فعلاً، فيد الوضع والتحريف والزيادة والنقصان قد طالت هذا الجانب كما طالت سائر ما روي عنهم، وهو ما يجرّنا إلى الحديث عن (تفسير الإمام العسكري). فما قصة هذا الكتاب؟ وما صحة نسبته للإمام؟