البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (5) - السيد حسين بركة الشامي

(وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعا ضَارِيا تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْـخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ، وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، ويُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَاَ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَ وَالِي الأمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ).

الرحمة والمحبة للناس عنصران أساسيان من عناصر نجاح القائد المتصدي في الأمة، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله مشروعا للرحمة والمحبة لجميع البشر. وكلما كان المتصدي لشؤون الأمة رحيما بالناس، محبا لهم، كان أكثر تأثيرا فيهم، وكانوا أكثر طاعة له، والعكس صحيح، وذلك لأن المتصدي هو جزء من ابناء المجتمع، وأن المجتمع أهله وشعبه، وأبناء أمته.

عن الإمام السجاد عليه السلام قال: (يا زهري، وما عليك أن تجعل المسلمين بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، وتجعل تربك بمنزلة أخيك، فأي هؤلاء تحب أن تظلم؟ وأي هؤلاء تحب أن تدعو عليه؟ وأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره؟).

وأما تعبير الإمام علي عليه السلام في نص العهد الشريف - فإنهم صنفان - فهو قانون ينظم طريقة التعامل مع المجتمع بكل أصنافه ومكوناته العقيدية والاجتماعية، على اختلاف انتماءاتهم وألوانهم ولغاتهم، فالناس إما أن يجمعهم الدين، وتوحدهم العقيدة، وإما أن يجمعهم المشترك الإنساني الذي يتسع لكل ألوان البشر.

فمهما كانت نظرية المتصدي وطريقة تفكيره وفلسفته في الإدارة والعمل، فعنه يجب ألا ينحاز في نظرته وتعامله مع فئة دون أخرى، وان لا يفرق ولا يميز بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد، لأن الناس إما أن:

- يشترك معهم في الدين واللغة والتأريخ والثقافة والعادات والتقاليد، فعلى الحاكم المسؤول أن يتمتع بصفة العفو والصفح والإحسان، وأن يستحضر دائما في علاقته مع الناس وتعامله مع المجتمع قدرة الله فوقه فلا يطغى، ولا يتجاوز على حقوق الآخرين، وأن لا يغتر بغرور السلطة وتأثيرها في نفسه فيصاب بالعجب والتكبر والشعور بالمنّة على الناس، فإنه مهما كانت سلطته وقدرته فإن الشرع والقانون فوقه، والله فوق الجميع.

- وإما أن يشترك معهم بالإنسانية وهو المشترك الأعظم بين البشر، وهذا المشترك لا يسمح للمتصدي مهما كان عذره وتفكيره أن يغفل هذا الجانب أو يتجاهله، وهذا المشترك في الإنسانية هو آخر ما توصلت إليه البشرية واستقرت على تبنيه عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة. فالإسلام في بُعده الحضاري الإنساني قد سبق الأمم المتحدة في هذه الرؤية لإقامة الدولة من خلال فلسفة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وفكره القرآني ونظرته للقيم الإنسانية السامية.