تمام نهج البلاغة - مقال للشيخ علي حسن

منذ تأليف نهج البلاغة من قبل الشريف الرضي رحمه الله في بداية القرن الخامس الهجري، والكتاب يحوز على اهتمام العلماء والمؤرخين والأدباء، فعكفوا على دراسة وتحليل وشرح موضوعاته المختلفة التي احتوتها خطب ورسائل وحكم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وتجلت فيها قضايا العقائد والأخلاق والحكمة والتاريخ والأدب والبلاغة في أروع صورة وأدق تعبير.



تبويب نهج البلاغة وترتيبه



اهتم الشريف الرضي بالجانب الأدبي والبلاغي في مؤلفه، ولذا اقتطع من النصوص ما شاء وقدمها للقارئ وفق الغرض من تأليفه، قال - مع الاختصار -: (فإنّي كنتُ في عنفوان شبابي، وغضاضة الغصن، ابتدأت بتأليف كتاب في خصائص الأئمة عليهم السلام: يشتمل على محاسن أخبارهم، وجواهر كلامهم، حداني عليه غرض ذكرته في صدر الكتاب، وجعلته أمام الكلام. وفرغت من الخصائص التي تخصّ أمير المؤمنين عليا عليه السلام.. فاستحسن جماعة من الأصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدّم ذكره، معجبين ببدائعه، ومتعجّبين من نواصعه، وسألوني عند ذلك أن أبتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في جميع فنونه، ومتشعّبات غصونه.. فأجبتهم إلى الابتداء بذلك.. وربما جاء فيما أختارُهُ من ذلك فصول غير مُتّسِقة، ومحاسن كَلِم غير منتظمة، لأني أورد النكت واللّمَع، ولا أقصد التتالي والنسَق).



الصورة غير المكتملة



وكان لهذا الاقتطاع وعدم الاتساق أثره في عدم اكتمال الصورة من غرض بعض الخطب والرسائل وقيمتها التاريخية التوثيقية، كما أن ما هو متداول من نسخ نهج البلاغة فيه شئ من الاختلاف، وهذا ما حدا بأحد المحققين المعاصرين وهو السيد صادق الموسوي إلى بذل الجهد من أجل تقديم مشروع (تمام نهج البلاغة) ليتضمن التحقيق والمقارنة بين النسخ من جهة، وجمع المقتطعات وإعادتها إلى صورتها، مع إكمال الناقص من النصوص المدونة في النهج الأصلية بالاعتماد على مصادرها الأولية.



مرحلة التحقيق



جاء في تعريف الكتاب: (أمضى محقق ومنسق تمام نهج البلاغة السيد صادق الموسوي 20 عاما وبشكل مركّز تفتيشا عن المصادر في مختلف المكتبات في أغلب بلاد العالم. ثم قام باستخراج الروايات المبعثرة في الكتب، والمقارنة بين الوارد منها باختلاف في المصادر المختلفة، والبحث عن موقع الكلمة والجملة والفقرة لوضعها في مواضعها. وقد تطلبت مرحلة التفتيش عن المصادر جهدا مضنيا وأسفارا متعبة إلى مختلف البلاد والاستعانة بجميع من يمكنهم المساعدة في كافة الأقطار ومختلف الأماكن من أجل الحصول على أكبر عدد ممكن من المصادر القيّمة ومصادر الدرجة الأولى إن أمكن... بلغ عدد مصادر تمام نهج البلاغة النسخة المُسندة والتي طُبعت مؤخرا في 8 مجلدات حدود الـ 800).



فقدان المصادر



(وكان الجزء الأصعب في عملي مقارنة الروايات الواردة في مختلف المصادر، حيث كان دأب كثير من السلف الأولين من الرواة والمؤرخين هو تجزئة النص الواحد الوارد... فكم مرة نجد الراوي يقول: وقف الإمام عليه السلام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وآله فصلى عليه ثم قال «.....»، دون أن يذكر نص حمد الله والثناء عليه وكيفية ذكر النبي صلى الله عليه وآله والصلاة عليه. وكان المؤلفون يؤكدون في بداية كتبهم أو الفصل أو الرواية على أنهم أخذوا موضع حاجتهم من الأحاديث الواردة وحذفوا الجزء الخارج عن مجال اهتمام مؤلَّفهم، لكن صياغة الرواية وطريقة الاجتزاء توهمان القارئ العادي لوهلة أنه يقرأ رواية كاملة وحديثا غير مجزّأ. ومع تعاقب السنين، وتتالي الدهور، وضياع مصادر الدرجة الأولى بشكل شبه كامل، وأغلب مصادر الدرجة الثانية، وبعض مصادر الدرجة الثالثة... كان من الصعب جدا على المحقق السيد صادق الموسوي النجاح في مهمة إعادة وصل الأجزاء المتقطعة مع تعاقب الأجيال، فكتاب خُطب علي لزيد بن وهب الجهني المتوفى عام 69 هجري لا أثر له...) ويسترسل الكاتب في ذكر أسماء المصادر المفقودة، ثم يقول: (وهناك آلاف الكتب التي حوت قسما كبيرا من تلك الخُطب والكلمات التي باتت مفقودة ولا يمكن اقتفاء أي أثر منها).



تكملة النصوص



(كان على المحقق السيد صادق الموسوي العمل أولا على جمع فتات الأحاديث المبعثرة بين سطور المصادر القليلة التي نجت من حملات الإتلاف والحرق، وكذلك استخراج النص الصحيح من بين المحرَف والمشوه قبل أن تبدأ مرحلة إعادة توصيل الفقرات والجُمل بعضها ببعض للوصول إلى النص الكامل لخطب وكتب وكلمات أمير المؤمنين عليه السلام؛ وهذه المرحلة ليست بأهون من المرحلة السابقة لها، إذ يجب مراجعة جميع المصادر والاستئناس بها، ثم تعقب القرائن للوصول إلى مرحلة متقدمة من الاطمئنان إلى مكان كل كلمة وجملة وفقرة من الخطب أو الرسائل أو الكلمات. وبالتوفيق الإلهي، وبالاستقامة في النهج المبارك، والمثابرة في العمل الميمون، تمكنّا من الوصول إلى ما يقرب من النص الأصلي لخطب ورسائل وكلمات باب علم رسول رب العالمين مولانا أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إن شاء الله تعالى، وهذا ما أسميناه تمام نهج البلاغة).

المؤلَّف قيّم، ومرجع مهم نقدّمه لمحبي نهج البلاغة والمهتمين بدراسته.