البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع (4) / حسين بركة الشامي

(.. فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبَّت أو كرهت). الذخائر: ما يختاره الإنسان ويجمعه ليوم حاجته.

مما لاشك فيه أن خير ما يذخره الإنسان لدنياه وآخرته هو العمل الصالح، لأن المال إلى نفاد وزوال، وأن الأبناء قد يكونون أشقياء غير بارين. أما العمل الصالح فهو الرصيد الذي يبقى ليلحق الإنسان المسلم بعد وفاته، وينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} (الكهف:46).

والباقيات الصالحات هي الرصيد الذي يختزنه الإنسان في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى، وهي من أعز الذخائر التي يقدمها الإنسان بين يدي ربه في يوم حاجته وفاقته. كما أن أصدق مصاديق العمل الصالح أداء العبادات الشرعية الواجبة والمستحبة، وقضاء حوائج الناس، وملازمة التقوى، وعدم اتباع الهوى والشهوات، وأما الشح بالنفس عما لا يحل، فهو تعبير دقيق عن الكف والامتناع عن المعاصي من خلال تقوية الإرادة والاستقامة والثبات على الحق، وعدم الانحراف والانجرار وراء الرغبات والمغريات، أو التثاقل أو التراخي والتهاون عن أداء الواجبات والمسؤوليات أمام الله والمجتمع. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل: 97).

فاملك هواك وشح بنفسك لأن أعلى درجات التقوى هو سيطرة العقل على الأهواء والشهوات والعواطف والميول والرغبات، فإذا تمادى الإنسان في اتباع هواه وغرائزه ورغباته الجامحة، وأطلق لنفسه عنان الشهوات، بعيداً عن التعقل والتقوى، فقد يصل الأمر به إلى الخروج عن دائرة الإيمان ويضيع في متاهات الكفر والشرك.

قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} (الفرقان: 43).

ولاشك ان الإنسان لا يتخذ إلهه هواه من أول خطوة في طريق المعصية، إنما بتراكم الذنوب والتوغل في الآثام والموبقات، يتحول بالتدريج من دائرة الإيمان إلى الكفر، وعلى هذا فإن التمسك بالتقوى وعدم الميل مع الهوى كفيل بنجاة الإنسان وفوزه بالجنة والرضوان. قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (النازعات: 41-40).