البرنامج الأمثل لإدارة الدولة وقيادة المجتمع القسم ٢ : حسين بركة الشامي

(أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ: مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وَإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنَّهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ عِنْدَ الشَّهَوَاتِ، وَيَزَعَهَا - يكفّها - عِنْدَ الْجَمَحَاتِ - منازعات النفس إلى شهواتها - فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلاَّ مَا رَحِمَ اللهُ).

في مطلع هذا العهد الشريف يتناول الإمام علي عليه السلام شخصية القائد الذي يدير الدولة ويقود المجتمع، فيجب أن يكون هذا الحاكم الذي يقف على قمة الهرم الإداري والمنصب السياسي من المتقين العاملين بطاعة الله، فإن التقوى هي الزاد والحصن وصمام الأمان لاستقامة شخصية الحاكم من خلال التزامه الواعي بتطبيق أحكام الشريعة.

ولابد له أن ينصر دين الله ويشفق على عباده بقلبه وعزيمته ويده وقوته ولسانه وكل جوارحه ولاشك أن الله سينصره ولا يخذله، فإن الله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7) وهذه المعادلة في باب النصر ليست كلمات تقال، إنما هي حقيقة قرآنية وقانون رباني {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة: 21).

وروي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام قوله: (إذا أردت عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عزوجل).

ثم يختم الإمام علي عليه السلام هذا النص من عهده بالتوصية على نقطة مهمة للحاكم، باعتباره عرضة أكثر من غيره لمغريات السلطة وأجواء الحكم، بأن يردع الحاكم نفسه عن الشهوات ويمنعها عن الرغبات المحرمة ويسعى بكل إرادة وعزم أن يكفّها عن النزوات والميول والأهواء الجامحة، فإن النفس هي النفس تأمر بالسوء وترتكب الفحشاء، ولذلك تحتاج إلى مزيد من المراقبة والمحاسبة والمعاهدة.

وما أصدق قوله تعالى حيث جاء على لسان يوسف الصديق عليه السلام: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} (يوسف: 53).