خطبة الجمعة 22 صفر 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: هل الإسلام في أزمة؟

- من حين إلى آخر، تبرز بعض التصريحات المُستفزّة للمسلمين مِن قبل بعض المسئولين أو الشخصيات الغربية البارزة، وآخرها تصريح الرئيس الفرنسي قبل أسبوع، والذي قال فيه أن الإسلام (ديانة تعيش اليوم أزمةً في كل مكان في العالم).
- أنا لا أتحدث هنا عن بعض الأساليب الرخيصة لمهاجمة الإسلام والتي تَعمَد إليها فئاتٌ حاقدة أو جاهلة أو متعصِّبة، من قبيل الرسوم الكاريكاتورية المهينة لرسول الله (ص) مثلاً، أو حرق المصحف الشريف، أو إنتاج أفلام مسيئة، وما شابه ذلك.
- بل أتحدث عن مواقف وتصريحات تصدر عن شخصيات يُفتَرض بها أن تكون مسئولة وجادة في التعامل مع ملف يمس بشكل مباشر أكثر من مليار ونصف المليار إنسان على وجه الأرض.
- من حق الرئيس الفرنسي أن يطرح إشكالياتِه حول نمط حياة المسلمين في بلده وما عبّر عنه بالحالة الانعزالية التي يعيشونها، أو عدم تفاعلهم مع النظام العلماني الجمهوري... ولكن هذا شيء، ومقولته بأن الإسلام (ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم) شيء آخر تماماً.
- البعض يشير إلى مصالح انتخابية تدفع الرئيس الفرنسي إلى ذلك، لأن المنافس الرئيس له في الانتخابات الرئاسية هي زعيمة اليمين المتطرف بفرنسا مارين لوبان، وهو بحاجة إلى أن يسحب البساط من تحتها من خلال مثل هذه التصريحات، ليكسب تعاطف الجمهور المتطرف لجانبه.
- فإن صحّ ذلك، فسيكون من المعيب فعلاً أن يكون ثمن ضمان الوصول إلى سدة الحكم في فرنسا مجدداً هو الطعن في الإسلام بمثل هذه التصريحات.
- وأما إن لم تكن تصريحاته لمصالح انتخابية، فأنا هنا أدعو الرئيس الفرنسي إلى أن يقرأ بتجرّد تجربة النائب الهولندي السابق (يورام فان كلافيرين) الذي كان معروفاً بمواقفه المناهضة للمسلمين، وكان قبل سنوات قليلة الساعد الأيمن السابق لزعيم اليمينيين المتطرفين في هولندا (غيرت فيلدرز)، وبمثابة رأس حربة في معركة شرسة ضد الإسلام في مجلس النواب الهولندي.
- (كلافيرين) الذي كان يُعد (ولي عهد فيلدرز) صرّح لاحقاً بأنه عند إعداده لكتاب ضد الإسلام، بدّل قناعاته وحوّل كتابه إلى (حُجج لدحض مآخذ غير المسلمين) على الديانة الإسلامية، وأضاف (في حال كان كل ما كتبته حتى الآن صحيحاً، وأعتقد ذلك، فأنا في هذه الحالة مسلم بحكم أمر الواقع).
- وفعلاً صدر كتابه بعنوان (المرتد: من المسيحية إلى الإسلام في زمن العلمنة والإرهاب).
Apostate: From Christianity To Islam In Times Of Secularisation And Terror
- اللافت أيضاً، أن (كلافيرين) ليس أول عضو في حزب الحرية اليميني يعتنق الإسلام، ففي عام 2013 أعلن ذلك (أرنو فان دورن) وهو عضو المجلس البلدي السابق عن نفس هذا الحزب، وكان مسئول العلاقات العامة والترويج لفيلم (فتنة) الذي أنتج للإساءة لرسول الله (ص).
- إن هذا النوع من الخطاب الصادر من الرئيس الفرنسي بحق الإسلام كدين لن يعالج أية مشكلة ترتبط بعلاقة المسلمين الفرنسيين بالنظام العلماني القائم في فرنسا، إن كان هذا هو الغرض من إطلاقه، ولن يساهم سوى في انتشار خطاب الكراهية، والإسلاموفوبيا، ودفع البعض إلى الخلط بين الدين الإسلامي وبين تصرفات المتطرفين... وأما إن كان الغرض من إطلاق هذا التصريح الذي يمس أكثر من مليار ونصف المليار ينتشرون في كل بقاع العالم ويساهمون في إنتاج الحضارة الإنسانية تماماً كما يساهم غيرُهم فيها، هو التكسب الانتخابي أو غير ذلك، فسيكون من المخجِل أن يقوم بمثل ذلك رأسُ النظام السياسي في جمهوريةٍ ارتبط اسمُها بالحرية وحقوق الإنسان. صحيحٌ أن العالم الإسلامي والمسلمين يعيشون أزمات أمنية واقتصادية وسياسية متتالية ومتنوّعة لم تهدأ منذ عقود، ولكن يا تُرى، أما كانت الصورة مختلفة تماماً لو تم تجنيب العالم الإسلامي والمسلمين أطماعَ الرأسماليةِ الغربية وأربابِ المصانعِ العسكرية الذين يُغرِقون المِنطقة بالسلاحِ، ويغذّونها بالحروب، لضمان السيطرة على ما فيها من خيرات وعلى خصوصياتها الاستراتيجية؟