خطبة الجمعة 15 صفر 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: تحية.. وردّها


برزت في الآونة الأخيرة محلياً – بل وحتى خارج الكويت - من قبل بعض الشخصيات الدينية من إخواننا من أهل السنة خطابات ودعوات إيجابية ترتبط بالعلاقة بين السنة والشيعة، من خلال:
1. نبذ الروح الطائفية، وتغليب العقل والمنطق على التعصب المذهبي والصراع السياسي.
2. التركيز على المشترَكات بدلاً من موارد الاختلاف.
3. أن تكون قراءة ما عند الآخر من خلال مصادره ومن الداخل، لا من خلال من كتبوا عنه ممن هم يختلفون معه، وأن تكون هذه القراءة بتجرد وموضوعية، وبغرض التقارب لا بغرض المحاججة والتخصام المذهبي.
4. أن لا يتم تحويل التاريخ إلى منطلَق ومادة للصراع في الحاضر.
ومن هذا المنبر الذي أقف عليه ومنذ تأسيسه – أي قرابة العشر سنوات – أطلقتُ خطابات ودعوات متعددة تلتقي مع هذه المضامين الواعية والمهمة والمسئولة.
وأن تأتي هذه المرة من قبل بعض الشخصيات الدينية المحلية من إخواننا من أهل السنة، فهذه بشارةُ خير وبارقةُ أمل في وسط دعواتٍ وإثاراتٍ متراكمة يتحمّل وِزرَها دعاةُ التعصب من الطرفين، وأصحابُ الأجنداتِ المخابراتية والسياسية والمصالحِ الانتخابية، ومَن يقعُ ضحيةً لهم.
وأرى أنه إذا أريد لمثل هذه الأطروحات والدعوات أن تنجح عملياً وتمتد على الأرض وتكون ذات قرار مكين، وأن تؤتي أكُلَها كلَّ حين، ولا تبقى حبيسةَ الخُطب والمجالس الخاصة والمحاضرات، فمن الضروري الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
1. من أهم أسباب فشل هكذا دعوات أن يتم ربطَها – بطريقة أو بأخرى - بالمصالح والأجندات السياسية، سواء الرسمية أو الشعبية.. ففي السياسة لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم، ولذا فإن ما هو منطقي ومستحسَن اليوم وفقاً للحسابات السياسية، قد يُصبح مبغوضاً وقبيحاً بعد حين.
2. من الضروري أن يكون منطلق هكذا دعوات هو الإيمان بأصالة وحدة الأمة انطلاقاً من أصالة الإيمان بتوحيد الله سبحانه، أي أن يكون مشروعاً بنيوياً واستراتيجياً، وليست مجرد دعوات تنطلق من مراعاة الظروف الآنية والضرورات المرحلية فقط.
لا أقول هذا للتشكيك في نوايا أحد، بل أريد التأكيد على نقطة جوهرية تؤسس لمشروع قائم على أسس سليمة وراسخة، لا تهتز مستقبلاً مع إثارة هنا أو هناك، أو مع تغيّر مصالح خاصة، أو لتبدّل تحالفات ميدانية.
3. قد ذكرت مسبقاً - وأذكّر من جديد - أن لتأصيل عنوان الأخوّة الذي ذَكرتْه الآية القرآنية المباركة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات:10] الدورَ المحوري في تحقيق نتائج فعلية وفاعلة في هكذا دعوات، انطلاقاً من أن المعنيين في الآية الشريفة هم كل مَن آمنوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله، دون تمييز في انتمائهم المذهبي، ومن ثَم تترتب على ذلك منظومة الحقوق والواجبات بين الإخوة، ولا يكون ذلك مقصوراً على أتباع مذهب بعينه.

إننا مع كل الدعوات الصادرة بنوايا مخلِصة من أجل نبذ الروحِ الطائفية والتعصباتِ المذهبية وانعكاساتِها المختلفة، وعلينا أن نعمل على تشجيع هذه الدعوات، والتأكيد عليها، وتطويرها لاحقاً إلى مشروع عملي قائم على أسس رصينة، وبعيداً عن الحالة الشعارية، ودون الاقتصار على اللقاءات النخبوية، لأننا نريد لها أن تكون واقعنَا الذي نؤمن به، وحياتَنا التي نشعر فيها بالأمن والاستقرار والمحبة المتبادَلة، والأخوةِ الصادقة، والعلاقاتِ القوية المترابِطة، وهو ما مِن شأنه أيضاً أن يُفوِّتَ على أعداءِ الأمةِ الفرصةَ لتحقيقِ مآربِهم الخبيثة.