خطبة الجمعة 1 صفر 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى : جامع الأضداد


- روى البيهقي (ت458 هـ) في كتابه (مناقب الشافعي) في باب (ما يُؤثَر عنه) أي ما روي عن الإمام الشافعي (في إثبات المشيئة لله):
(حدثنا أبو عبدالله، محمد بن إدريس الشافعي عن جعفر بن محمد عن أبيه) أي الإمام الباقر (عن عبد الله بن جعفر) الطيار زوج السيدة زينب (عن علي بن أبي طالب أنه خطب الناس يوماً فقال في خطبته: وأعجب ما في الإنسان قلبُه، فيه مواد من الحكمة، وأضدادٌ من خلافها، فإن سنح له الرجاء، أولهَه الطمع) أي بمجرد ما تنفرج أموره بعد الضيق يطلب المزيد إلى حد الطمع، وأن لا ييأس الإنسان وأن يمتلك أملاً في تحقيق بعض الإيجابيات، فهذا من الحكمة، ولكن أن يطمع فذلك بخلافها (وإن هاج به الطمع، أهلكه الحرص) أي لا تقف المسألة عند هذا الحد، بل ويدخل الإنسان في سلبية أخرى، وهي كالتالي: (وإن ملكه اليأس، قتله الأسف) حيث تتدمّر نفسيته ويؤثر ذلك على صحته ولربما يكلّفه ذلك حياته فيموت (وإن عرض له الغضب) وهي غريزة ضرورية له ومن الحكمة أن يستعملها للدفاع عن نفسه وعمّا يتعلّق به (اشتد به الغيظ) فتتحوّل هذه الإيجابية إلى سلبية (وإن أُسعد بالرضا) وهذا إحساس طبيعي ومطلوب أن يسعد الإنسان عندما يمسُّه الخير (نسي التحفظ) فلربما يعيش حالة البطر، أو الالتهاء بالنعم، أو الانغماس في المعاصي وأمثال ذلك (وإن ناله الخوف) وهذا أيضاً شيء طبيعي غريزي ومطلوب ليتخذ الإنسان الإجراءات اللازمة لمواجهة أسباب الخوف (شغله الحزن) وهو صورة من صور التعامل الخاطيء الذي يدفع الإنسان إلى الاستسلام أو تحول الأمر إلى حالة مرضية هي الفوبيا بدلاً من المواجهة وتقوية مواطن الضعف (وإن أصابته المصيبة، قصمه الجزع) والجزع محرم في الإسلام لأنه مظهر من مظاهر الاحتجاج والتمرد على الإرداة الإلهية ومعطّل لقوى الإنسان (وإن أفاد مالاً، أطغاه الغنى) إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ويدخل في حالة من العجب والتكر واحتقار الناس ( وإن عضّته فاقة) أي اشتد به الفقر والحاجة (شغله البلاء) بينما المفروض أن تكون هذه الحاجة سبباً لاستنهاض الهمّة والعمل الدؤوب والإبداع، فالحاجة أم الاختراع، وليس بالضرورة أن يتحوّل إلى مخترع لجهاز أو مكتشف لدواء، بل أن يبدع في حل مشكلته التي أوصلته إلى الفقر (وإن أجهده الجوع، قعد به الضعف، وإن أفرط به الشبع، كظّته البِطنة) أي أثقل حركته امتلاء البطن، ولربما دفعه إلى الخمول والنوم (فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد) مما يستدعي ضرورة الحرص على التوازن في الجوانب الختلفة على مستوى الجسد والعقل والروح، من خلال المراقبة والمتابعة وإصلاح مواطن الخلل أولاً بأوّل قبل أن تفرط الأمور، وتخرج عن السيطرة. وللرواية تتمة وفائدة أخرى رائعة سنذكرها في الخطبة الثانية بإذن الله.