خطبة الجمعة 23 محرم 1442: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى : الأنس بالموت


- عندما تحدث القرآن عن الموت، فقد تحدث عنه في بُعدين، فهو تارة يتحدث عنه من بعد إيماني، وهذا البعد بحد ذاته ينقسم الى أقسام: ما يرتبط بالايمان بقدرة الله سبحانه وصفاته: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الزمر: 42.
- ما يرتبط بالجانب التدبيري الخاص بالموت: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ الَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} السجدة: 11.
- ما يرتبط بالإيمان بعلاقة الموت باليوم الآخر: {قُلْ ان الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَانَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ الَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} الجمعة: 8.
- وهناك حديث عن الموت في بُعده التربوي الذي يخاطب العقل من خلال الحقيقة التي يشهدها الإنسان ماثلة أمامه في حالات الموت المفاجيء الذي يهجم على الناس، أو حالات الغفلة التي يعيشها البعض حتى يلقون مصيرهم المحتوم دون أن يقدّموا لآخرتهم: (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المنافقون: 10 - 11 .
- وفي صحيفة الإمام زين العابدين (ع) حديثٌ عن الموت يسعى لتحريك القلب، لتكتمل صورة التأثير عقلاً وقلباً، وعياً وشعوراً، بكل ما تتضمنه تلك الكلمات من مفاهيم ترسم معالم العلاقة السليمة بين الإنسان وبين أجله المحتوم.
ويقدم فيها الإمام (ع) صورة مختلفة عن شعور الإنسان تجاه الموت، فالصورة التقليدية هي صورة الخوف والقلق، أما هذه الصورة فهي أقرب لتعبير أمير المؤمنين (ع) حيث قال: (والله لابنُ أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه).
فكان من دعائه عند ذكر الموت: (وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ صَالِحِ الأعْمَالِ عَمَلاً نَسْتَبْطِئُ مَعَهُ الْمَصِيرَ إلَيْكَ) وفّقنا -يا رب- للصالحات بحيث يشتاق الإنسان إلى لقاء الله (وَنحْرِصُ لَهُ عَلَى وَشْكِ اللِّحَاقِ بِكَ حَتَّى يَكُونَ الْمَوْتُ مَأنَسَنَا الَّذِي نَأنَسُ بِهِ، وَمَألَفَنَا الَّذِي نَشْتَاقُ إلَيْهِ) كالوصف الذي جاء في القرآن الكريم بالنسبة إلى النفس المطمئنة (وَحَامَّتَنَا) جماعة الأقرباء (الَّتِي نُحِبُّ الدُّنُوَّ مِنْهَا) ولا شك أن هذا على خلاف شعور غالبية الناس تجاه الموت. فما الذي يمكنه أن يغيّر ذلك؟ إنها صالحات الأعمال (فَاذَا أَوْرَدْتَهُ عَلَيْنَا، وَأَنْزَلْتَهُ بِنَا فَأسْعِدْنَا بِهِ زَائِراً، وَآنِسْنَا بِهِ قَادِماً، وَلاَ تُشْقِنَا بِضِيافَتِهِ، وَلا تُخْزِنَا بِزِيارَتِهِ، وَاجْعَلْهُ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ مَغْفِرَتِكَ، وَمِفْتَاحاً مِنْ مَفَاتِيحِ رَحْمَتِكَ. أَمِتْنَا مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ، طائِعِينَ غَيْرَ مُسْتَكْرِهِينَ، تَائِبينَ غَيْرَ عاصِينَ وَلا مُصِرِّينَ، يَا ضَامِنَ جَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ، وَمُسْتَصْلِحَ عَمَلِ الْمُفْسِدِينَ).