التألّي : الشيخ علي حسن - مجلس الحسينية الكاظمية 1442 هـ

عن النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أنه قال: (ويلٌ للمتألين من أمتي، الذين يقولون فلان في الجنة وفلان في النار).
الإيلاء هو الحلف. وتألّى وائتلَى أَي حلف. والقرآن الكريم استعمل هذا العنوان في موردين:
1. التَأَلِّي على الله أن لا يفعل المعروف: قال الله «تعالى»: }وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{.
قد تفعل الخير بحق فقير أو إنسان ضعيف الحال، ثم يأتيك منه سوء تصرف، أو لم يؤدّ ما توقعته منه تجاهك مثلاً، فتحلف بالله أن لا تساعده بعد ذلك، أو أن تمتنع عن المعروف عموماً، فالآية تنهى عن مثل هذا الموقف والحلف بالله على عدم صنع المعروف ومساعدة المحتاجين.
وقال الله «تعالى» في مورد آخر: }وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ{. أي لا تحلفوا بالله عن فعل الخير، فإذا قيل لكم: اتقوا وبروا، وأصلحوا بين الناس قلتم: حلفنا بالله لا نفعل ذلك، فتجعلوا الحلف بالله سبباً للامتناع من فعل الخير.
2. الإيلاء من النساء: قال الله «تعالى»: }لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{.
قال السيد الخوئي في منهاج الصالحين: (الإيلاء هو الحلف على ترك وطء الزوجة). ولا ينعقد إلا بشروط، من بينها، بالإضافة إلى القصد والاختيار:
1. الحلف باسم الله «تعالى».
2. أن يكون للإضرار بالزوجة. فلو كان لمصلحة، وإن كانت راجعة إلى الطفل مثلاً، لم ينعقد إيلاء، بل انعقد يميناً، وجرى عليه حكم الأيمان.
3. أن يكون في العقد الدائم بعد الدخول، أما لو كان عقداً منقطعاً، أو مجرد عقد فلا ينعقد إيلاء.
4. أن يكون الإيلاء مطلقاً، أو أزيد من أربعة أشهر.
إذا تمّ الإيلاء بشرائطه، فأمامنا احتمالات:
1. أن تصبر المرأة مع امتناعه عن المواقعة. فلا شيء حينئذ.
2. أن لا تصبر، فلها حينئذ أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ فيُنظِره الحاكم أربعة أشهر، فإن:
أ) رجع وواقعها في هذه المدّة فهو، وعليه الكفارة، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات.
ب) وإن لم يجامعها ألزمه القاضي بأحد الأمرين، إمّا الرجوع أو الطلاق، فإن اختار الرجوع، فعليه الكفارة، وإن اختار الطلاق، فلا شيء عليه.
ج) وإن لم يجامعها ولم يطلقها، حبسه وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتّى يختار أحدهما، ولا يجبره على أحدهما معيّناً، وإن امتنع عن كليهما، طلّقها الحاكم.
نعود إلى الحديث النبوي، والذي يختص بالحلف بالله أن فلاناً في الجنة أو في النار، وأمثال ذلك، كأن يقول: (فلان، الله لا يغفر له)، أو (فلان، يغفر الله له).
• الوقوع في المحذور:
تارة نتحدث عن هذا السلوك على مستوى فردي، وتارة على مستوى مذهبي عام. أما الأول فمعروف، ويمكن للإنسان معالجته، لأنه يكون محدوداً بأفراد أو بزمن أو بظروف معينة. أما الثاني فخطير، لأنه يكون ممتداً زماناً عادةً، وبالتالي يُدخل في حدوده مجتمعات بشرية وأجيال من البشر، كما أنه يخلق عداوات وأحقاد متجذرة.
المذاهب الإسلامية وقعت في هذا المحذور عبر التاريخ، وما زالت.. والتكفير فرع من فروعه، بحيث لا يكون الحكم على الأفراد فحسب، وإنما على جماعات وفرق ومذاهب بأسرها.
ومن رسائل هذا الحديث النبوي:
1. الجنة والنار بيد الله، ومن اختصاصه، وهو المطلع على نوايا العباد وظروفهم ومقدار ما تقوم الحجة عليهم. والله لا يعاقب الفرد إلا بمقدار ما تقوم عليه الحجة، أي أن يعرف الحق بصورة واضحة ودون تردد ثم يجحده: }مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً{.
وقال «تعالى»: }وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ{.
• ميزان وموازين:
استعمل القرآن الكريم كلمة (الميزان) في موارد عديدة إلا أن المتتبع لهذه الموارد يلاحظ أن الله حين يتحدّث عن ضرورة التعامل المُنصِف والعادل في عالم التجارة والاجتماع والسياسة وأمثال ذلك فإنه يستعمل الكلمة بصيغة المفرد، كما في قوله «تعالى»: }وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{.
وكما في قوله «تعالى» على لسان شعيب «عليه السلام»: }وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ{.
وفي المقابل فإنّه عندما يستعمل هذه الكلمة في ما له علاقة بالحساب الأخروي فإنّه يستعملها دائماً بصيغة الجمع، وذلك كما في الآية التي بدأتُ بها، وكذلك في الآيات التالية:
قال «تعالى»: }وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ{.
وقال «تعالى»: }فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ{.
وقال «تعالى»: }فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ، وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ{... فما هو السر في ذلك؟
من المحتمل أن المسألة لها علاقة بأنواع أعمال الإنسان، فميزان للعبادة، وميزان للأخلاق، وميزان للعطاء المالي، وميزان للعطاء البدني، وهكذا... هذا احتمال... ولكن هناك احتمال آخر له علاقة مباشرة بالعدل الإلهي.. ولتوضيح ذلك لابد من مقدمات:
المقدمة الأولى: أنَّ التعبير بالموازين -في القرآن- بالنسبة إلى الحساب الأخروي لا يرتبط بمجموع الناس، بل بكلِّ فردٍ على حِدة. كل فرد له موازين. }فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ{ }فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ{.
المقدمة الثانية: أننا مطالبون بالعدل وبالقِسط، والعدل أن تُعطي للناس حقوقهم ابتداءً، وحينها تكون عادلاً.. أما إذا قلنا (أنت مُقسِط) فهذا يعني أنك رفعت الظلم بعد وقوعه، ورَدَدت الحقَّ لأصحابه.
المقدمة الثالثة: الناس يتعاملون في ما بينهم في المجالات المختلفة على أساس الظاهر، وبحسب العادة لا يأخذون بعين الاعتبار الكثير من العوامل التي تؤثّر في مواقفهم وقراراتهم وردود أفعالهم.. فإذا سَعوا نحو تحقيق العدالة أو القسط، واعتمدوا على الظاهر والعوامل الظاهرية فسيكون مقبولاً منهم.. ومن هنا جاء التعبير بالميزان.. أي بصيغة المفرد. أما بالنسبة إلى الله، عالِم الغيب والشهادة، فالأمر مختلف تماماً.
فالله «تعالى» حين يحاسب الناس في الآخرة فإنه ينظر إلى كل العوامل الظاهرية والخفية التي أثّرت في ما ارتكبه الإنسان في حياته... ومن هنا جاء التعبير بالموازين.. أي بصيغة الجمع.
كلُّ إنسان يولد بمميزات وصفات تختلف حتى عن أخيه التوأم، ولهذه المميزات والصفات الخاصة بكل فرد تأثير على تصرفاته وردود أفعاله.
مثلاً.. يولَد الإنسان ويحمل معه جينات تجعله سريع الغضب والانفعال.. ويولَد الآخر ويحمل معه جينات تجعله هاديء الطبع بارد المزاج.
الله -الذي لا يظلم الناس شيئاً- هل يمكن أن يحاسِب هذين الفردين بصورة مماثلة فيما لو صدر عنهما ردّ فعل متماثل في لحظة غضب أو انفعال؟
هل يمكن أن يحاسب الله «سبحانه» الشاب الذي أخطأ فزنى كما يحاسب الرجل كبير السن المتقدم في العمر إن أخطأ وزنى؟ أليس في قول النبي «صلى الله عليه وآله»: (إن الله يبغض الشيخ) أي كبير السن (الزاني)، وفي قوله «صلى الله عليه وآله»: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم، شيخٌ زان) دلالةً على الفرق بين مرتكب الزنى إنْ كان كبيراً في السن وبين الشاب لو فعل ذلك؟ بالطبع هذا لا يعني أن الشاب معفيٌّ من العقوبة، ولكن الموازين الإلهية لا تساوي بينهما.. فلعنفوان الشباب وشدة القوة الغريزية مدخلية مؤثّرة في الأمر، على خلاف الرجل كبير السن. (وملك كذاب) فهو صاحب سلطة وقوة ولا يحتاج إلى الكذب، وعادةً ما يكون فوق المحاسبة، فإن كذب فهذا دليل على خبث سريرته وأن الكذب صدر عنه لا عن موقف ضعف (وعائل مستكبر) فماذا لديه كي يستكبر، بل من المفترض أن تُشعره حالة الضعف هذه والحاجة بآلام الآخرين، فيحنو عليهم ويتواضع لهم، ويخفض لهم جناح الذل من الرحمة.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى مَن يقع في المحظور وهو يعيش في مجتمعٍ ممتليء بالإثارة الغريزية، بينما يعيش الآخر في مجتمع محافِظ تندر فيه مثل تلك الإثارات.. هل يتساويان؟
ومثل ذلك، الفرق بين مَن تتوافر لديه القدرة على الحصول على المعلومة، ومَن يصعب عليه الحصول عليها.. والفرق بين مَن اطّلع على الثقافات المختلفة، ومَن عاش في مجتمع منغلق ثقافياً وأحادي الفكر.. والفرق بين مَن يمتلك سعة مِن الوقت للبحث والمطالعة، ومَن ضغطت عليه ظروف كسب الرزق فلم تعطه فرصة لذلك.. والفرق بين مَن وُلد في أسرة مؤمنة متدينة، ومَن وُلد في بيئة فاسدة فاسقة.. إلخ الصور والفرضيات التي تمتليء بها الحياة.
ثم إنَّ الفرد الواحد تختلف ظروفُه وقدراتُه مِن مرحلة إلى أخرى، ومِن عمر إلى آخر، ومِن مكان إلى آخر؛ ولا يمكن أن يكون ما صدر عنه في ذلك الظرف، أو في تلك المرحلة، أو في ذلك السن، هو بذات القيمة عندما يصدر عنه في ظرف أو مرحلة أو سنٍّ مختلِف. هنا نفهم معنى الموازين في الآخرة.. فالعدل الإلهي يستدعي هذه الدقة.
• تجنب الحكم على مصائر الناس:
وإذا كان أمرُ الحساب في الآخرة يتميّز بهذه الدقة على مستوى الأخذِ بعينِ الاعتبار كلَّ العوامل المؤثِّرة في أفعالِ الناس وتروكِهم كما يدل على ذلك قوله «سبحانه وتعالى»: }وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً{ وقوله «تعالى»: }وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا{، وقوله «تعالى»: }وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا{، فإنّ هذا يقودُنا إلى أنه ليس مِن حقّنا الحكم على الناس في مصائرهم الأخروية.. فالموازين لا يَعلمُها إلا الله.. ومِن العدل الإلهي أن تكون كلُّ العواملِ الوراثيةِ والبيئيةِ والتربويةِ والظاهرةِ والخفيةِ التي تدخّلت في كلِّ فعل أو ردّةِ فعلٍ صدرَت عن الفرد دورٌ في حسابه وتقييم عمله. وغير خاف أن لا أحد يملك الإحاطة بكل تلك التفاصيل سواه «سبحانه وتعالى».
وفي المقابل، فليس من حقِّ أحد أن يحتجَّ على ما جاء بخصوص العقوبات الأخروية بعد أن آمنّا بأنَّ الله هو العَدل، وأنه لا يحساب الناس إلا بالموازين القِسط، وقد قال «تعالى»: }لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ{.
2. هناك فرق بين استحقاق دخول النار وبين فعلية الدخول، فقد يعفو الله عنه ولا يدخله النار، لسبب أو لآخر، والعفو بيد الله وحده، فكيف نجزم أن فلاناً من أهل النار؟ بالطبع هناك مجرمون مميزون في حجم أفعالهم، ويستطيع الإنسان أن يكوّن قناعة بهذا الخصوص، ولكن يبدو مع هذا أن الله لا يريد لنا أن نتدخل بهذا الشأن.
3. هذه الذهنية تجعل الإنسان يستغرق في مراقبة الناس وتتبع أمورهم وعثراتهم، وهو خلاف المنهج التربوي الإسلامي الذي أراد من الإنسان أن ينشغل بعيوبه عن عيوب الناس، لأن عيوب الإنسان قد تُرديه، وهي التي تحتاج منه إلى جهد من أجل إصلاحها.
وكما روي عن أمير المؤمنين «عليه السلام» أنه قال: (طوبى لمن شغلَه عيبُه عن عيوب الناس).. (كفى بالمرء غباوة أن ينظر من عيوب الناس ما خفي عليه من عيوبه).
4. هذه الذهنية إذا أصبحت عامة أفقدت المجتمع ثقته ببعضه البعض، لأنه يدفع لتوجس البعض من بعض، والتقبل الظاهري لا الحقيقي.
5. الاستغراق المذكور قد يؤدي -نتيجة التساهل- إلى أن يصبح المعيار عنده الحب والبغض الشخصيين، والهوى الذاتي.. فمن أحبه أدخله الجنة، ومن أبغضه أدخله النار، وهذا من العصبية المذمومة، وهي قد تدفع إلى اتخاذ مواقف خطيرة على مستوى مصير الإنسان، وتكون منافية للحق.
وفي بحار الأنوار أنهم: (تذاكروا العقل عند معاوية فقال الحسين «عليه السلام»: لا يكمل العقل إلا باتباع الحق). فأحياناً ننبهر من قدرة البعض على تقديم الأفكار، واللعب بالكلام، والتأثير على المشاعر، والسيطرة على الجمهور، وامتلاك الشعبية من خلال ذلك، بقول الحسين «عليه السلام» هذا ليس بمقياس لكمال العقل، حيث لا يكتمل العقل إلا إذا وجدنا أن مثل هذا النموذج من الناس قد اتبع الحق.
إذا تعصّب لبني جلدته، بغض النظر عن الحق والباطل، فهو لم يكتمل عقله.
وإذا تعصب لبني مذهبه، بغض النظر عن الحق والباطل، فهو لم يكتمل عقله.
وإذا تعصب لبني قبيلته، بغض النظر عن الحق والباطل، فهو لم يكتمل عقله.
وإذا تعصب لبني وطنه، بغض النظر عن الحق والباطل، فهو لم يكتمل عقله.
• المعيار الحسيني:
ولذا فإنه «عليه السلام» عندما أراد الخروج من المدينة في بداية حركته وأوصى أخاه ابن الحنفية قال: (وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي «صلى الله عليه وآله» أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب «عليه السلام» فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين) لأنّ الله هو الحق، وهو الذي أوحى بالحق، وأراد للناس أن يسيروا به.
هذا هو المعيار عند الحسين «عليه السلام» في اتباعه، وهذا هو المنطلق الذي من أجله أراد لأنصاره أن يثبتوا معه في يوم العاشر من المحرم.