وصايا - الجزء الأول - مجلس الحسينية الكاظمية - موسم 1442 هـ

للوصايا والعظات التي يقدّمها الوالدان للأبناء قيمة وأهمية خاصة، وتأتي أحياناً كثيرة لتمثّل عصارة خبرات الإنسان في الحياة، وما ورث مِن حِكمة مِن خلال آبائه.
وهذه هي سنة الأنبياء وأبناء الأنبياء، وقد نقل لنا القرآن الكريم أكثر من نموذج من هذه الوصايا، من بينها قوله «تعالى»: }وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{.
• وصايا لقمان:
وهكذا نجد في القرآن الكريم وصايا لقمان لابنه.. وقد وقع الخلاف في حقيقة هذه الشخصية. وقد ذكر القرطبي احتمالات عديدة أخذها من أسلافه من المفسرين والمؤرخين، وهي كالتالي:
1. ابن إسحق: لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارَح، والد النبي إبراهيم، أي هو حفيد أخي إبراهيم.
2. السهيلي: لقمان بن عنقاء بن سرون، وكان نوبياً من أهل أيلة. والطريف أن أيلة هي العقبة، وهي في الأردن ولا علاقة لها بالنوبة التي تقع جنوب مصر في القارة الأفريقية.
3. وهب بن منبه: كان ابنَ أخت أيوب.
4. مقاتل بن سليمان: ذُكر أنه كان ابن خالة أيوب.
5. الزَّمَخْشَرِيّ: قيل كان من أولاد آزر، عاش ألف سنة وأدركه داود «عليه السلام» وأخذ عنه العلم، وكان يُفتي قبل مبعث داود، فلما بُعث قطع الفتوى، فقيل له، فقال: ألا أكتفي إذ كُفيت.
6. الواقدي: كان قاضياً في بني إسرائيل.
7. سعيد بن المسيّب: كان لقمان أسود من سودان مصر ذا مشافر، أي شفاه غليظة، أعطاه الله «تعالى» الحكمة، ومنعه النبوّة. قال القرطبي معلقاً: وعلى هذا جمهور أهل التأويل إنه كان وليًّا ولم يكن نبياً.
8. عِكرمة والشعبيّ: كان نبياً.
9. القرطبي: الصواب أنه كان رجلاً حكيماً بحكمة الله «تعالى»، قاضياً في بني إسرائيل، أسود، مشقَّق الرِّجلين، ذا مشافر،
تعليق: لا يخفى ما في هذا الوصف من انعكاس لنظرة تحقيرية بحق ذوي الأصول الأفريقية، والواقع أن القرآن الكريم يؤكد على أن القيمة كل القيمة في التقوى، لا في العِق ولا في اللون ولا في الصفات الجسدية التي يرثها الإنسان دون اختيار منه. ومن المؤسف والمخجِل أن تصدر مثل هذه الكلمات ممن يُقدّمون العلم والمعرفة الدينية للناس.
ثم أضاف القرطبي: وروي من حديث ابن عمر قال: (سمعت رسول الله «صلى الله عليه وسلم» يقول: «لم يكن لقمان نبياً، ولكن كان عبداً كثير التفكر حسن اليقين، أحبّ الله «تعالى» فأحبه، فمنّ عليه بالحكمة، وخيّره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق فقال: ربّ، إن خيّرتني قبلتُ العافية وتركت البلاء، وإن عزمتَ عليّ فسمعاً وطاعة فإنك ستعصمني» ذكره ابن عطية.
تعليق: إلى هنا يمكن قبول الرواية، وهي تأتي في سياق مقبول، ولكن فلنلاحظ كيف امتدت يد البعض لتضيف شيئاً يخدم السلطان في ذلك الزمان!
قال القرطبي: وزاد الثعلبيّ: فقالت له الملائكة بصوت، لا يَراهم: لمَ يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشدّ المنازل وأكدرها، يغشاه المظلوم من كل مكان، إن يُعَنْ فبالْحَرَى أن ينجو، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة. ومن يكن في الدنيا ذليلاً فذلك خير من أن يكون فيها شريفاً. ومن يَخْتَرِ الدنيا على الآخرة نفته الدنيا ولا يصيب الآخرة. فعجبت الملائكة من حسن منطقه، فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه يتكلّم بها. ثم نودي داود بعده فقبلها -يعني الخلافة- ولم يشترط ما اشترطه لقمان، فهوَى في الخطيئة غير مرة، كل ذلك يعفو الله عنه. وكان لقمان يوازره بحكمته فقال له داود: طوبى لك يا لقمان! أعطيت الحكمة وصُرف عنك البلاء، وأُعطي داود الخلافة وابتُلي بالبلاء والفتنة.
تعليق: لا يخفى ما في هذه الزيادة من الدعوة لعدم المنافسة على السلطان، وعدم التدخّل في شئون الحُكم، وقبول حالة الخنوع والذل لأنها أسلم للدنيا والآخرة! هذا الأمر يكشف خطورة مثل هذه الزيادات في الروايات، حيث لا تقتصر على تقديم معلومات خاطة أو الوضع على لسان النبي، بل تتجاوز ذلك لتكون رافداً من روافد تكوين العقل المسلم بالطريقة التي تُناسب السلطة الحاكمة أو المتنفّذين وأصحاب بعض المصالح، أو إفساد عقول الناس وأخلاقهم، أو إحداث نوع من الربكة المعرفية في تصوراتهم حول الإسلام ومفاهيمة وتشريعاته.
10. وقال قتادة: خيّر الله «تعالى» لقمان بين النبوّة والحكمة فاختار الحكمة على النبوّة، فأتاه جبريل «عليه السلام» وهو نائم، فذرّ عليه الحكمة فأصبح وهو ينطِق بها فقيل له: كيف اخترت الحكمة على النبوّة وقد خيّرك ربُّك؟ فقال: إنه لو أرسل إليّ بالنبوّة عَزْمة لرجوْت فيها العون منه، ولكنه خيّرني فخفت أن أضعُف عن النبوّة، فكانت الحكمة أحبّ إليّ.
ثم أضاف القرطبي: واختُلف في صنعته فقيل: كان خياطاً. وقيل: كان يحتطب كل يوم لمولاه حُزْمه حطب. قال عبد الرحمن بن زيد بن جابر: كان راعياً، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال له: ألست عبد بني فلان؟ قال: بلى. قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: قدَر الله، وأدائي الأمانة، وصدق الحديث، وترك ما لا يعنيني قاله.
قال خالد الرَّبَعي: كان نجاراً فقال له سيده: اذبح لي شاة وائتني بأطيبها مُضْغتين، فأتاه باللسان والقلب، فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين؟ فسكت، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له: ألق أخبثها مضغتين، فألقى اللسان والقلب، فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تُلقي أخبثها فألقيت اللسان والقلب؟! فقال له: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا.
لم أجد في كتب الشيعة ما يدل على تعيين شخصه سوى ما نقل عن المصادر السنية. قال العلامة الطباطبائي: (كلام في قصة لقمان.... لم يرد اسم لقمان في كلامه «تعالى» إلا في سورة لقمان، ولم يذكر من قصصه إلا ما في قوله عزَّ من قائل }وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّه{ وقد وردت في قصته وحكمه روايات كثيرة مختلفة...) ثم ذكر العلامة بعضاً من هذه الروايات من مصادر سنية وشيعية وليس فيها شيء عن حقيقة هذه الشخصية.
اللافت هنا، أنه تم العثور على برديات تشتمل على وصايا أحد وزراء الدولة المصرية القديمة وهي قريبة جداً في مضمونها، بل وحتى بعض تعبيراتها مما جاء في النص القرآني من الوصايا. فقد كان للفرعون (جد كا رع) والشهير بلقب (إيسيسي) أحد ملوك الأسرة الخامسة (حوالي: 2414-2375 ق.م)، وزير كاهن اسمه أو لقبه (بتاح حتب). وفي بعض المصادر أنه كان عبداً في الأصل، كما قيل أن لقمان كان كذلك. تبدأ الوصايا والعظات، بتوضيح أن سبب كتابتها وصول كاتبها لسن الشيخوخة، ورغبته في نقل حكمة أسلافه، التي وصفها بأنها كلمات الآلهة لابنه (آخت حتب). واعتبر (ويل ديورانت) صاحب (قصة الحضارة) أنه يمكن اعتباره أول فيلسوف في العالم بحكم ما حصلنا عليه من بقايا المخطوطات السابقة في الفلسفة الأخلاقية.
وعلى العموم، فقد جاءت هذه الوصايا كصورة من صور شكره لله على الحكمة التي أوتيها، وكأنها نوع من زكاة المعرفة: }وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ{ نتيجة هذه العطية الإلهية العظيمة قام لقمان بوصية ابنه: }وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{. هذا يعني أن:
1. المعرفة والحكمة نعمة من نعم الله «تعالى»، والنعمة لكي تنمو وتزدهر وتستمر تحتاج إلى الشكر: }وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{.
2. من صور تزكية المعرفة والحكمة والشكر عليها: إيصالها للآخرين.
3. ضرورة توريث المعرفة للأجيال القادمة.
• وصية الإمام علي للحسن:
ولذا نجد أمير المؤمنين علياً «عليه السلام» يوصي ابنه الحسن وصية خاصة، كما أن هناك وصايا أخرى لولده، ولكن وصيته للحسن المنقولة في نهج البلاغة لها طابعها الخاص ومضامينها المميزة، وهي الكتاب الحادي والثلاثين في نهج البلاغة، والمعنون من قبل الشرف الرضي بأنها جاءت بعد عودة الإمام من صفين، وكأن الحدث الكبير كان ملهماً له لكي يذكرها لابنه الأكبر: (من الوالد الفان. المقر للزمان، المدبر العمر، المستسلم للدهر. الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى. والظاعن عنها غدا. إلى المولود المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام ورهينة الأيام..... ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي فكتبت إليك كتابي مستظهراً به إن أنا بقيت لك أو فنيت فإني أوصيك بتقوى الله أي بني ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله. وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به؟...). ووصلتنا وصايا بعض الأئمة «عليهم السلام» أيضاً لأولادهم.
• وصايا الإمام الحسين:
أما الحسين «عليه السلام» فنجد له الوصايا التالية:
1. هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي «صلى الله عليه وآله»، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبى علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن ردّ على هذا أصبر حتى يقضى الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين. وهذه وصيتي يا أخي إليك، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ثم ودّعه وخرج في جوف الليل).
2. وروى ابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية) وهو يتحدث عن أحداث التاسع وليلة العاشر من المحرم: (ثم نادى عمر بن سعد في الجيش : يا خيل الله اركبي وأبشري. فركبوا وزحفوا إليهم بعد صلاة العصر من يومئذ، هذا وحسين جالس أمام خيمته محتبياً بسيفه، ونعس فخفق برأسه، وسمعت أخته زينب الضجة فدنت منه فأيقظته، فرجع برأسه كما هو، وقال: إني رأيت رسول الله «صلى الله عليه وسلم» في المنام، فقال لي: «إنك تروح إلينا». فلطمت وجهها، وقالت: يا ويلتا. فقال ليس لك الويل يا أخية، اسكني رحمك الرحمن. وقال له أخوه العباس بن علي: يا أخي، جاءك القوم فقال: اذهب إليهم فسلْهم ما بدا لهم) أي ما الجديد من أمرهم وماذا يريدون؟ (فذهب إليهم في نحو من عشرين فارساً فقال: ما لكم؟ فقالوا: جاء أمر الأمير، إما أن تأتوا على حكمه، وإما أن نقاتلكم. فقال: مكانكم حتى أذهب إلى أبي عبد الله فأعلمه. فرجع ووقف أصحابُه، فجعلوا يتراجعون القول ويؤنِّب بعضُهم بعضاً، يقول أصحاب الحسين: بئس القوم أنتم، تريدون قتل ذرية نبيكم «صلى الله عليه وسلم» وخيار الناس في زمانهم ؟ ! ثم رجع العباس بن علي من عند الحسين إليهم، فقال لهم: يقول لكم أبو عبد الله: انصرفوا عشيتكم هذه حتى يَنظر في أمره الليلة. فقال عمر بن سعد لشمر بن ذي الجوشن: ما تقول؟ فقال: أنت الأمير والرأي رأيك. فقال عمرو بن الحجاج بن سلمة الزبيدي: سبحان الله ! والله لو سألكم ذلك رجل من الديلم) وهم سكان جنوب بحر قزوين، وكانوا من الكفار المحاربين الأشداء على المسلمين آنذاك (لكان ينبغي إجابته. وقال قيس بن الأشعث: أجبهم إلى ما سألوك، فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة. وهكذا جرى الأمر، فإن الحسين لما رجع العباس قال له: ارجع فارددهم هذه العشية، لعلنا نصلي لربنا هذه الليلة وندعوه ونستغفره، فقد علم الله مني أني أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، والاستغفار والدعاء. وأوصى الحسين في هذه الليلة إلى أهله) ولم يذكر نص الوصية.
3. وصيته لأخته زينب، ففي تاريخ الطبري ومصادر أخرى: عن عليِ بنِ الحسينِ بن علي «عليهم السلام» قال: (إني جالسٌ في تلكَ العشيّةِ التي قُتل أبي صَبيحتَها وَعمتي زينبُ عندِي تُمرضُني إذ اعتزلَ أبي بأصحابِه في خَباء له وَعندَه حُوَىّ مَولى أبي ذر الغُفاري وَهو يُعالجُ سَيفَه ويُصلِحُهُ وأبي يقولُ:
كَمْ لكَ بالإشراقِ وَالأصيلِ يَا دهرُ أفٍّ لكَ مِنْ خَليـلِ
وَالدهرُ لا يَقنعُ بالبديــل مِنْ صَاحب أو طالب قَتيلِ
وَكلُّ حيٍّ سَالـكُ السبيـلِ وإنَّمَا الامرُ إلى الجليــل

قال : فأعادها مرتين أو ثلاثاً حتى فَهِمتُها ، فَعرَفتُ مَا أرادَ فَخنقَتني عَبرتي فرددّتُ دَمعي ولزمتُ السكون فَعلمتُ أنَ البلاءَ قد نزلَ ، فأمّا عمَّتي فإنها سَمِعت ما سمعتُ وهي امرأةٌ وَفي السماءِ الرقَّةُ والجزعُ فَلم تملك نفسَها أن وَثبت تَجرُّ ثوبَها وَإنها لحاسرةٌ حتى انتهت إليه فقالت : واثكلاه لَيتَ الموتَ أعدمني الحياة ، اليومَ ماتتْ فاطمةُ أمّي وعليٌّ أبي وحسنٌ أخي ، يا خليفةَ الماضي وثمال الباقي) أي بقية الباقي (قال: فنظر إليها الحسين «رضي الله عنه» فقال: يا أخيّة، لا يذهبن حلمك الشيطان؛ قالت: بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله! استقتلت نفسي فداك؛ فردّ غصته، وترقرقت عيناه، وقال: لو تُرك القطا ليلاً لنام. قالت: يا ويلتي، أفتغتصب نفسك اغتصاباً، فذلك أقرح لقلبي، وأشد على نفسي) ثم يصف الراوي كيف أنه أغمي عليها ثم قال:(فقام إليها الحسين فصب على وجهها الماء، وقال لها: يا أخية، اتقي الله وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالكٌ إلا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خيرٌ مني، وأمي خيرٌ مني، وأخي خيرٌ مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة؛ قال: فعزاها بهذا ونحوه، وقال لها: يا أخية، إني أقسم عليك فأبرّي قسمي، لا تشقّي علي جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت؛ قال: ثم جاء بها حتى أجلسها عندي) أي عند الإمام زين العابدين.