خطبة الجمعة 17 ذوالحجة 1441: الخطبة الثانية : الشيخ علي حسن : كارثة بيروت ودلالات يوم الرحبة


التعليق على الخبر الذي قدّمته في الخطبة الأولى - وعلى عجالة - سيكون ضمن النقاط التالية:
1. هذا الخبر يُعرف بحديث يوم الرَّحبة، وجرت أحداثُه - بحسب الظاهر - بعد سنة 35 هـ، حين انتقل الإمام (ع) للسكن في الكوفة بعد معركة الجمل.
2. سبب هذه المناشدة أن أمير المؤمنين (ع) كان قد تحدث مسبقاً عن تقديم رسول الله (ص) إياه على غيره، وبعض هذه الكلمات نقلها الشريف الرضي في نهج البلاغة، مثل الخطبة الشقشقية مثلاً، وغيرها، وهي كلمات أطلقها للدفاع عن نفسه وموقفِه في أجواء سياسية وأمنية ملتهبة جرّت إلى حرب الجمل، ثم ستجر إلى حربي صفين والنهروان.
ولنتذكر أن الإمام وافد على مجتمع الكوفة الذي لم يعش في غالبيته عصرَ رسول الله، ولا يَعرف علياً إلا من خلال ما يُنقل ويُثار، وهو مزيج من الحق والباطل، ولذا كان الإمام مضطراً للتعريف بموقعيته الرسالية، لا تبجّحاً ولا تكبّراً ولا ترفّعاً على أحد، بل إحقاقاً للحق ودفاعاً عن النفس.
فبلغه اتهام الناس له فيما كان يرويه من هذه الخصائص التي امتاز بها، ومن بينها مسألة الولاية والحاكمية بعد رسول الله.
فحضر في مجتمع الناس بالرحبة في الكوفة، وناشدهم كما جاء في الخبر الذي ذكرته في الخطبة الأولى، فشهد له من الحضور ثلاثون صحابياً تواجدوا يوم الغدير، وقيل أقل من ذلك بقليل.
3. هذا الموقف، وهناك مواقف أخرى تردّ على إشكالية مَن يقول إن كان حديث الغدير صحيحاً فلماذا لا نجد له أثراً في نهج البلاغة، في غفلة من أن الغاية من تأليف نهج البلاغة أن يكون كتاباً أدبياً انتقائياً، انصب اهتمام الشريف الرضي فيه على مقاطع معينة من كلمات الإمام فيها أبعاد بلاغية، وليس جامعاً لكل تراث علي (ع) الشفوي والمدوّن.
4. أهمية نصرة الحق والشهادة الصادقة ولو على النفس أو الأقربين: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا) أي لا تجعلوا للوضع الاجتماعي أو الشخصي للفرد مدخلية في شهادتكم، اشهدوا مع الحق ولو كان صاحب الحق فقيراً أو مستضعفاً، وخصمه غنياً أو إنساناً وجيهاً (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء:135].
قد نتعجب أحياناً من عدم شهادة البعض بما جرى في الغدير على الرغم من حضورهم وتذكّرهم
لذلك الحدث، ونستهجن فعلتهم، ولكن لو طُلبت شهادتُنا في خصومة، وكانت هذه الشهادة ضد أقرب الناس إلينا، كالأب والأخ والابن، فماذا سيكون موقفنا؟ إن شهدنا بالحق، كنا من شيعة علي حقاً، وكنا كأولئك الذين شهدوا لعلي في يوم الرحبة، لم تأخذهم في الله لومةُ لائم، وأما إن نكصنا عن الحق وشهدنا بالزور والباطل، رفعاً للإحراج، أو تعصباً للأقربين، فلا يحق لنا لوم أولئك الذين سكتوا عن نصرة علي (ع) حين ناشدهم، فنحن لا نختلف عنهم في هذا الإطار، وقد فشلنا في الاختبار كما فشلوا هم من قبل. فلنكن أنصار الحق على أرض الواقع كما أراد الله عزوجل لنا ذلك، فالادعاء سهل، وأما العمل بذلك فصعْبٌ إلا على من اتقى الله وأطاعه.