حديث الجمعة 12 ذوالقعدة 1441 هـ : جبريل في خدمتك - الشيخ علي حسن

في بداية شهر ذي القعدة، ورد إليّ سؤال متكرر من بعض الأعزاء حول رسالة إلكترونية تتضمن دعوة لإقامة صلاة يوم الأحد من شهر ذي القعدة، والسؤال تمحور حول مدى صحة مضمون هذا المنشور، وعن مشروعية هذه الصلاة.
بدايةً نتوقف عند الخبر المروي بهذا الشأن، ومن ثم التعليق عليه.
روى السيد علي بن طاووس في الأقبال، عن خط الشيخ علي بن يحيى الخياط، وغيره عن أحمد بن عبد الله، عن منصور بن عبد الحميد، عن أبي أمامة، عن أنس بن مالك قال: (خرج رسول الله (ص) يوم الأحد في شهر ذي القعدة، فقال: يا أيها الناس من كان منكم يريد التوبة؟ قلنا كلنا نريد التوبة يا رسول الله! فقال: اغتسلوا وتوضأوا وصلوا أربع ركعات) ويذكر كيفية أداء هذه الصلاة (ثم قال: ما مِن عبد مِن أمتي فعلَ هذا إلا نودي من السماء: يا عبدالله، استأنف العمل، فإنك مقبول التوبة، مغفور الذنب، وينادي ملَك من تحت العرش: أيها العبد، بورك عليك وعلى أهلك وذريتك، وينادي مناد آخر: أيها العبد تُرضي خصماءك يوم القيامة) يعني إذا كان هناك من يطالبك بشيء يوم القيامة، إذا سرقت من أحد شيئاً، إذا اغتصبت حق أحد، إذا تعديت عليه قولاً أو فعلاً، فإننا نضمن لك أنهم سيعفون عنك (وينادي ملَك آخر: أيها العبد، تموت على الإيمان) يعني نضمن لك مستقبلك وحسن الخاتمة والعاقبة (ولا يُسلَب منك الدِّين، ويُفسَح في قبرك، ويُنوّر فيه. وينادي مناد آخر: أيها العبد، يَرضى أبواك وإن كانا ساخطين) يعني إذا صدر عنك أو سيصدر عنك عقوق تجاههما فلا تخف ولا تحزن ولا تبالي، لأننا نضمن لك أنهما سيعفوان عنك في الآخرة ببركة هذه الركعات الأربع (وغُفر لأبويك ولك وذريتِك وأنت في سعة من الرزق في الدنيا والآخرة. وينادي جبرئيل: أنا الذي آتيك مع ملَك الموت) جبرئيل الأمين، رسول الله إلى أنبيائه وللمهمات الإلهية الخاصة والحساسة يأتيك عند الموت... ما مهمته؟ يقول الراوي: (أنْ يَرفق بك، ولا يُخدِشُك أثرُ الموت، إنما تخرج الروح مِن جَسدِك سلّاً) يعني بهدوء وسلاسة. هذا دور جبرئيل (ع) أن يضمن لك ذلك (قلنا يا رسول الله: لو أن عبداً يقول هذا في غير الشهر؟) أي في غير ذي القعدة (فقال عليه السلام: مثل ما وصفت) يعني حتى لو صليتها في سائر الأشهر ستنال ما ذكرت (وإنما علّمني جبرئيل هذه الكلمات أيام أُسري بي).
الآن نأتي إلى التعليق على الخبر السابق.
أوّلاً: أهل التحقيق يقولون أنّ من علامات وضع الخبر، المبالغة في الثواب أو العقاب في مقابل عمل بسيط يقوم به الإنسان. صلاة من أربع ركعات لا يتجاوز وقت أدائها 20 دقيقة، وينال الإنسان هذه العطايا التي يتطلع إليها أي مؤمن يتمنّى أن يخرج من هذه الدنيا مرضياً عنه، وأن تكون حياتُه البرزخية والأخروية في بحبوحة، وأن يفك رقبتَه مِن تبعات أوزاره بحق الله والناس!
من الواضح عدمُ وجودِ تناسبٍ أبداً بين المقدمة والنتيجة، والمبالغة واضحة جداً.
قد يقال أن رحمة الله واسعة، وأن حسابات رب العالمين في الثواب مختلفة عنا.
وهذا صحيح، ولا كلام فيه، ولكن كل شيء وفق مقدمات سليمة، وقواعد تتناسب مع الحكمة والعدالة الإلهية، ولذا لاحظوا هذا الخبر المروي في بحار الأنوار ومصادر أخرى عند السنة والشيعة: (أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَن يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ. فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ) أي ما زال مديناً لحقوق الآخرين (أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) يعني يخفَّف من ذنوب الناس وتضاف تلك الذنوب إلى ذنوبه (ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ). أية مصيبة هذه.
والذي يؤكد هذا المضمون قوله تعالى: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا) [النساء:123].
ثانياً، ألا تشعرون بأن في ذلك الخبر نوعاً من التشجيع وتجرئة الإنسان على العقوق وظلم الناس وأكل الحقوق؟ والضامن أربع ركعات يصليها في أي يوم أحَد من أي شهر! أي أن الأمر لا يستدعي حتى أن تنتظر إلى ليلة القدر مثلاً، أو أن تكون في عرفات مثلاً، وهو ما يتطلب أن تنتظر عدة أشهر إلى أن تأتيك الفرصة الذهبية للاستغفار والتوبة، لا أبداً، كل أحد، ثلث ساعة والقليل من التعب البدني وتنتهي القصة. بالله عليكم، أهكذا تكون التربية الدينية وتزكية النفوس؟
ثالثاً، والذي يؤكد أيضاً عدم صحة هذا الخبر، سندُه، ولا أريد أن أدخل في تفصيل هذا الأمر، وأهل الاختصاص لو راجعوا سند هذا الخبر سيدركون ذلك بوضوح.
قد يقال: في مثل هذه المستحبات لا ندقق في السند، ويكفي أنه خبر مروي عن النبي (ص) أو عن أحد من أهل بيته (ع) لنأتي به برجاء المطلوبية. بل ما الداعي للتحرش بمثل هذه الأخبار التي تشجع الناس على العبادة والتقرب إلى الله بدلاً من تضييع الوقت على أمور لا فائدة منها؟
والجواب عن ذلك بسيط.... لا يؤتَى الله من حيث يُعصى! البدعة حرام. عندما نبحث في هذه الأخبار ونتأكد من خلال عدة أدلة وقرائن أن الخبر موضوع، فهذا يعني أنه بدعة، وأنه افتراء على الله (عز وجل) أو على رسوله (ص) أو على الإمام (ع)، فكيف نقبل بذلك؟
(وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:27].
منهج عبادي روحي تم تشريعُه للمؤمنين برسالة المسيح (ع)، تحوّل تدريجياً من خلال البعض إلى بدعة... كيف؟ كل شخص يأتي ويُضِيفُ جديداً على هذا المنهج العبادي والروحي.
إضافة هنا وإضافة هناك، وإذا المسألة تحوّلت بمرور الوقت إلى صورة أخرى مشوّهة عما كانت عليه في البدء، فَذمَّ الله هذا الانحراف (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) وهكذا انقسموا إلى مجموعتين (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) الذين التزموا بحدود ما شُرّع لهم، فازوا.... أما الذين لم يلتزموا وابتدعوا وتجاوزا حدود ما شرّع الله، كانوا فاسقين.... وهم الأكثرية (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) والفسق يعني الخروج من الجسد الحقيقي. يقال: فسقت الرُّطبة، يعني عندما تضغط قليلاً على الرطبة ستجد أن الجلدة الخارجية تنفصل عن القطعة اللحمية... هكذا أيضاً يخرج الإنسان من الإيمان.
في الكافي عن النبي (ص): (إِذَا ظَهَرَتِ الْبِدَعُ فِي أُمَّتِي فَلْيُظْهِرِ الْعَالِمُ عِلْمَهُ ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ). هذه مسئولية أهل العلم أن يخلّصوا الناس عما أُدخل في دين الله، وأن يرشدوهم إلى الحدود الحقيقية والصحيحة، وإلا كان حالُنا حالَ مَن ذمّتهم الآية بابتداع الرهبانية.
صلّ ما شئت كل يوم، وليس فقط كل أحد، صل في اليوم مائة ركعة، ولكن لا تأت بطريقة مخترعة وكيفية محددة للصلاة وتقول: قال رسول الله، وقال الصادق.
ثم لا تجعل مِن صلاتِك وصيامِك وأعمالِك المستحبة وسيلة للتخفّف من أعباء المسئولية تجاه حقوقِ الآخرين، بحيث تظلم هذا، ثم تصلّي ركعتين لتبييض كتاب أعمالك من السيئات... فلا رشوة مع الله، ولنتذكر قول النبي (ص): (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَن يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا).
والسؤال الآخر الذي قد يتبادر إلى الذهن: من أين جاءت مثل هذه الأخبار، وهي أخبار في ظاهرها تتضمن عبادة وخير وثواب؟ من الذي يتجرأ ويضع مثل هذه الأخبار والروايات؟
سأحاول الإجابة على ذلك في الحديث القادم بإذن الله تعالى.
وإلى لقاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.