حديث الجمعة 10 شعبان1441: الشيخ علي حسن : فضائح كورونية

- أفرزت أزمة الكورونا – بوضوح - نماذج إيجابية وسلبية متعددة، مما يدفعنا إلى التوقف قليلاً عند بعض هذه النماذج في محاولة لتقييم أنفسنا من جهة، وتصحيح
1. من أخس هذه النماذج نموذج ناشر الأكاذيب والإشاعات، المتلاعب بمشاعر الناس وآلامهم وأوضاعهم. ومن خلالها يزيد من تعقيد المشهد أو إثارة الهلع أو إحداث الربكة في حياة الناس أو دفعهم نحو اتخاذ تصرفات خاطئة وغير ذلك.
- هناك عدة احتمالات في تفسير مثل هذا السلوك:
أ) أنه شخص معقّد ومريض نفسياً
ب) خبيث السريرة إلى أبعد درجة
ج) يحسب أن كل شيء عبث
د) مدفوع بمصالح شخصية معينة، قد تكون مالية، أو أجندات سياسية وأمثال ذلك.
- فاحذر أن تكون ممن يعين هذا النموذج الأفّاك، ونلاحظ هذه القاعدة القرآنية الأخلاقية، وهي وإن كانت مرتبطة بحادثة الإفك، ولكنها تتضمن صورة راقية من التعامل مع الإشاعات.
- فالبعض لا يُحمّل نفسه تبعات نشر الإشاعات والأكاذيب لأنه ليس مصدرها الأصلي، هو مجرّد متداول وناقل لها عن براءة، أو في لحظة غفلة، ولكن لاحظ ما تقوله الآية: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ) فما هو الموقف الصحيح؟ (وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [النور:15-18].
- هناك من الأخبار ما يحمل في طياته علائم وضعه وكذبه بسبب التهويل أو عدم المعقولية.
- ومنها ما يكون مضمونه ذا تبعات خطيرة لو تبيّن أنه مجرّد إشاعة.
- مسألة فيها أمن مجتمع، أو أعراض ناس، وأمثال ذلك، هل يمكن بكل سهولة أن أتعامل مع هذه المقولات نقلاً وترويجاً كما أتعامل مع أي خبر آخر؟
2. النموذج الثاني والذي قد يكون فرعاً عن النموذج السابق هو ذلك الذي ينشر عن جهل أو سطحية بعض الروايات الدينية الضعيفة أو الغريبة أو التي تتضمن كلمات معينة، ويستغل مكانة من تُنسَب إليه، كأن يكون نبياً أو إماماً، ويدّعي أنها نبوءة تتحدث عن الأوضاع التي نعيشها.
- وقد يكون الأمر سهلاً لو كان المضمون مقتصراً على معلومة نظرية، ولكن عندما يتم من خلالها توجيه رسائل عملية، من قبيل:
أ) كيف نتصرف مع هذا الوباء.
ب) وكم ستطول مدته.
ج) وكم من الناس سيموتون.
د) وماذا سيحدث بعد ذلك.
ه) وانتظروا بعدها ظهور كذا، أو حصول كذا.
- وأمثال ذلك، وهو يتصور أنه يقدّم سبقاً في قراءة المستقبل، والحال أنه يجهل أو يستغل جهل الناس بالتاريخ المليء بحوادث الأوبئة وتوابعها المدمرة التي أذهبت ثلثي سكان المناطق المنكوبة بها أحياناً، ونحن بالمقارنة بها نعيش في هذه الأزمة أوضاعاً أفضل منها بكثير بلحاظ الإمكانات الطبية والرعائية والوقائية والإعلامية والمعلوماتية التي تفوق تلك الأزمنة بكثير.
3. النموذج الساخر الذي يتجاوز الحدود في سخريته واستهزائه.
- التخفيف عن الناس بشيء من المزاح البريء وتغيير أمزجتهم شيء جميل، ولكن أن يتحوّل الأمر إلى هتك لحرمات الناس،
- البعض قد يُخطيء في سلوك معين، أو موقف ما، وتنبيهه أو الرد عليه أمر مقبول، ولكن أن تتم هتك شخصيته والتشهير به، وأحياناً بأسرته،
- لا أتصور أن آيات سورة الحجرات في توجيهاتها الأخلاقية قد تم تعطيلها من قبل الله عز وجل في هذه الأزمة التي نعيش فيها، وكأن القلم صار مرفوعاً، لا حساب ولا كتاب.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات:11-12].
- الآن، من ليست لديه قيم أخلاقية، أو ليس فيه شيء من التقوى، قد لا يعنيه ما سبق شيئاً ويستمر في غيّه، ولكن أنا أعجب من المتدينين أهل الصلاة والزكاة والصيام ما بالهم انساقوا وراء مجموعة من اللا أباليين الذين لا يضعون لسلوكياتهم أية حدود أخلاقية، وصاروا أداة لإعادة نشر ما يصدر عنهم، أو لمشاركتهم بالمزيد من السخرية وهتك حرمات الناس وشخصياتهم.
- أيها السيدات والسادة، قليلاً من التقوى، قليلاً من احترام النفس واحترام الآخرين.. فلنتريث في التعامل مع ما يصلنا ولنتعامل بحذر مع ما قد يُقال أو يُتداول بين الناس، لأن التساهل في ذلك قد تكون له تبعات جادة نندم عليها في لحظةٍ ما يصعب معها تصحيح مواقفنا وتبرير أفعالنا.