خطبة الجمعة 11 رجب 1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: مأساة مسلمي الهند

- وضع الإمام علي (ع) في بداية عهده لمالك الأشتر الإطار العام لكيفية ممارسة الحاكم دوره مع المحكومين، والمسؤول مع مَن تحت يده، حيث قال: (وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أو نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ، يَفْرُطُ مِنْهُمُ الزَّلَلُ وَتَعْرِضُ لَهُمُ الْعِلَلُ، يُؤْتَى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الَعَمْدِ وَالْخَطَأ، فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ، فَإِنَّكَ فَوْقَهُمْ، وَوَالِي الأمْرِ عَلَيْكَ فَوْقَكَ، وَاللهُ فَوْقَ مَنْ وَلاَّكَ! وَقَدِ اسْتَكْفَاكَ أَمْرَهُمْ، وَابْتَلاَكَ بِهِمْ).
- والمشكلة تكمن أحياناً فيما لو خرج الحاكم أو المسؤول من رحم الأكثرية، أو كان متكئاً عليها في سياساته وقراراته وتصرفاته، فيُحسِن إليها ويلتزم معها بمثل ما جاء في الفقرة السابقة من العهد، بينما نجده سَبُعاً ضَارِياً يَغْتَنِمُ أَكْلَ الأقليات مع أقل الزلة تصدر عنهم، وبل ومِن دونها.
- وهذا بالدقة ما يجري اليوم في الهند تجاه (المسلمين) الذين يُعدّون أقلّية مقارنة بالهندوس، فوفقاً للتعداد السكاني الذي أجري عام 2018م، فإنّ عدد المسلمين يبلغ قرابة 201 مليون نسمة، وما نسبته 15% تقريباً من مجموع السكان، وبذا يكونون يمثّلون ثاني أكبر ديانة في الهند، و11% من مسلمي العالم ككل.
- بحسب ما جاء في بعض مصادر التاريخ، فإن الهند عرفت الإسلام من خلال وصول بعض التجار المسلمين إليها في القرن السابع الميلادي، وبُني أوّل مسجد فيها على يد مالك بن دينار المتوفى سنة 127هـ/ 745 م، ضمن رحلة استكشافية تمت بأمر من والي البحرين آنذاك.
- ثم بدأت مجتمعات من المهاجرين التجار العرب من جنوب الجزيرة العربية والخليج العربي ومن غيرهم في الاستقرار في ولاية غوجارات الهندية.
- في القرن العاشر الميلادي غزا السلطان محمود الغزنوي الهند، وأسس فيها أول حكم من قبل المسلمين وامتد لأكثر من ثمانية قرون، تعاقبت في أثنائها الدول والأسر الحاكمة.
- ودخل الإنجليز على الخط في بدايات القرن 17 الميلادي تحت ستار (شركة الهند الشرقية)، وبدأ نفوذهم فيها يزداد تدريجياً إلى أن تمت السيطرة على الهند عملياً بشكل كامل.
- خلال هذه الفترة بقي السلاطين والأمراء والإقطاعيون المسلمون وغيرهم يحكمون ولايات الهند ظاهرياً، ولكن الأمور كانت تدار في الحقيقة على يد الإنجليز الذين عمدوا في كثير من الأحيان على بثّ الفتن بين الطوائف الدينية المختلفة، تماشياً مع شعار (فرّق تسُد).
- وفي سنة 1858م صارت الهند رسمياً مستعمرة بريطانية.
- وفي عام 1947 حصلت الهند على الاستقلال بعد ثورة عارمة، وعمل المستعمرون على تقسيمها إلى دولتين على أساس ديني، ثم انقسمت إلى ثلاث دول هي الهند وباكستان وبنغلاديش.
- منذ ذلك الحين لم تخلُ شبه القارة الهندية من الحروب بين الدول الثلاث والفتن الداخلية، ولكن مع تحقيق الحزب الهندوسي الحاكم حالياً الأغلبية في البرلمان، أخذت المسألة منعطفاً جديداً.
- هذا المنعطف بدأ في أغسطس الماضي حين ألغت الحكومة نظام الحكم الذاتي في إقليم جامو وكشمير ذي الأغلبية المسلمة، وقامت باضطهاد المسلمين فيه ومواجهتهم بالعنف والحصار.
- وفي شهر ديسمبر، تم إقرار قانون يتمثّل في إعطاء الجنسية الهندية للمهاجرين من الدول المجاورة بشرط أن لا يكونوا من المسلمين، وسيُطلب من كل شخص موجود على أرض الهند أن يثبت أن والديه كانا في البلاد قبل تاريخ محدد، وعليه فإذا كان مسلماً ولم يستطع إثبات ذلك تُسقط عنه الجنسية وسيتحوّل إلى بدون.
- وبما أن نحو 45% من السكان أميون أو يعيشون في مناطق نائية ولا يمتلكون وثائق رسمية، لذا فإن القانون سيهدد الملايين من المسلمين بفقدان جنسيتهم وإن كانوا مواطنين أصليين.
- ومع بدء المظاهرات الاحتجاجية ضد هذا القانون، شهدت الهند أشد موجة عنف طائفي ضد المسلمين. وقد نقلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن الشرطة الهندية لم ترد على اتصالات الاستغاثة وطلبات المساعدة ولا تستجيب أصلاً لنداءات المسلمين. وذكر موقع البي بي سي أن غالبية الضحايا من النساء والأطفال، وذكرت الفايننشال تايمز أن المهاجمين كانوا يعمدون إلى نزع حجاب النساء وتمزيق ملابسهن في الشوارع.
- في مطلع هذه السنة الميلادية، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً جاء فيه: (كان منتصف الليل قد حلَّ على ثكنات الشرطة في ولاية أوتار برديش الهندية. وفي داخل غرفة شديدة البرودة وبلا نوافذ، جلس نحو 150 مسلماً من الرجال والصبية، متكوّمين وملطخين بالدماء... كان بعض السجناء المرتجفين لديهم جروح بالغة لا تزال طرية... في حين كان لدى آخرين أطرافٌ مكسورة وبارزة من زوايا غريبة بأجسادهم. تقول عديد من الروايات المتشابهة إن الشرطة كانت تضرب الأشخاص الذين يطلبون الماء أو الذين يغلقون أعينهم لمّا يغلبهم النعاس... جُرِّد بعضهم من ملابسه. وقال شاهد إنّ أصغرهم كان يبلغ من العمر 12 عاماً).
- في هذه الأحداث، تم الاعتداء بالضرب والإهانة الشديدة على صديقنا العزيز سماحة السيد أسد حسيني، وهو جالس في الحوزة العلمية مع طلابه، وتم تكسير يديه ورجله، واعتقال طلابه.
- وبينما يُقتَل المسلمون في الهند ويُضطهدون ويُهدَّدون في موطنهم وأرزاقهم وهويتِهم الدينية، يبدو العالم متثاقلاً في إدانة ذلك كله. إنّ هذه الممارسات اللا إنسانية التي يتعرّض لها مسلمو الهند تنبع في الأساس من روحية الكراهية التي قدَح زنادَها الحزبُ الحاكم حالياً في الهند بقراراته الجائرة ضد جامو وكشمير أوّلاً، ثم بتمرير قانون الجنسية الجديد الذي سيُهدِّد مستقبل ومصير عشرات الملايين من المسلمين الهنود. وانطلاقاً من قول نبينا الأكرم (ص): (من بات ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)، فإنه تقع علينا مسئولية – ولو بقدَر ما نملك من إمكانات نشر على وسائل التواصل الاجتماعي – تتمثّل في بيان هذه المظلومية ونشرها بلغات مختلفة، لعل هذه الحركة الناشطة إعلامياً واجتماعياً تدفع شيئاً من الظلم، أو تدفع بعضَ الأطراف الرسمية والشعبية للتحرك الفاعل والجاد في اتجاه إيقاف هذه الجريمة.