خطبة الجمعة 27 جمادى الآخرة 1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: قبل أن يغيّر الله علينا

- في نهج البلاغة الحكمة برقم 425: (إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً يَخْتَصُّهُمُ اللَّهُ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، فَيُقِرُّهَا فِي أَيْدِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ، ثُمَّ حَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ).
- هذه الحكمة تُسلّط الضوء على معادلة إلهية، سنّة من سنن الحياة وهي مركبة من ثلاثة أجزاء.
- المقطع الأول من هذه الحكمة يدل على أن الله (سبحانه) يختار مِن بين الناس أفراداً لديهم القابلية كي يكونوا من المميَّزين عنده من خلال ما يختصهم به من نعمة.
- وعندما نتحدث عن التميّز عند الله، فإن أذهاننا تنصرف عادة إلى العبادة أو الجهاد في سبيله، وأمثال ذلك، إلا أن الإمام (ع) ينبّهنا إلى وجود طريق أخرى نستطيع من خلالها تحقيق هذا التميّز، وذلك بالمال أو الجاه أو العلم أو الشخصية الاجتماعية الجذابة أو الخبرة في الحياة، إلخ.
- وهذا الاختصاص بالنعمة لهذا النموذج من الناس لا يكون المقصود بالإفاضة بها صاحبُها بالذات، بل قد أنعم الله (تعالى) بها عليه على سبيل العطاء المشروط.
- والشرط واضح.. (فَيُقِرُّهَا فِي أَيْدِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا) بمقدار ما تستمر في العطاء تستمر النعمة، ولكن إذا أخللت بالشرط فالنتيجة: (فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ).
- (ثُمَّ حَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ) هذا التحويل للغير يتم لأنّ الله يريد لحوائج الناس المختلفة أن تُقضى، فإذا لم أكن أنا أهلاً لقضائها، سُلبَت مني وأعطيت لآخر يمكنه أن يقوم بها.
- وهذا يستدعي منا أن نلتفت إلى تغيّر أطباعنا وقناعاتنا، فأحياناً نجد أنفسنا متحمسين للعطاء الفكري أو المالي أو الاجتماعي أو غير ذلك ثم نصاب بالبرود، بل ولربما نتذمّر ونندم على ما كنا نقوم به من فعل الخير، لأننا واجهنا مثلاً نكراناً للجميل، أو لم نجد من الناس تقديراً.
- ولربما لا نكتفي بذلك، بل ونتكلّم بما يثبّط من عزيمة الناس في فعل الخير، وبذا قد ينطبق علينا قول الله عز وجل: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) [النساء:37].
- أيها الأعزاء، إن الله (سبحانه وتعالى) يقول: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَم يَكُ مُغَيِّراً نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53]. وقد كان أهل الكويت دائماً سبّاقين في تقديم يد العون للأيتام والفقراء وذوي الحاجات وإقامة المشاريع الخيرية المتنوعة، ولكن الملاحظ أن هناك فتوراً وتراجعاً نسبياً في هذا الإطار، وهو ما يستدعي منّا جميعاً مراجعة أنفسنا – على الأقل – كي لا يُغيِّر الله نعمةً أنعمها علينا.