خطبة الجمعة 20 جمادى الآخرة 1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: الدعاء بين القضاء والقدر

- من دعاء الزهراء (ع): (اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي واستُرنِي وَعَافِنِي أبداً ما أبقيتَنِي، واغفِرْ لي وارحَمنِي، اللَّهُمَّ لا تُعيِيَنِي في طَلَبِ مَا لا تقدِّر لي) إذا كان هذا الأمر لن يتحقق فيا رب لا تجعلني أسعى فيها فتذهب جهودي التي يمكن أن أوظّفها في اتجاه آخر سدىً وأضيع من عمري شيئاً يمكن أن أستغلّه فيما يعود عليّ بالنفع (ومَا قَدَّرتَهُ علَيَّ فاجعلهُ مُيَسَّراً سَهلاً) فإذا كانت هناك سلبيات أو صعوبات متعلّقة بتحقق أمر ما، فيا رب خفف من تلك السلبيات أو أزح من تلك الصعوبات ما يجعل الأمر يسيراً عليّ.
- في هذا المقطع من دعائها (ع) تثير مولاتنا الزهراء (ع) واحدة من النقاط التي يمكن من خلالها حل الإشكالية المهمة التي ترتبط بفهم العلاقة بين الدعاء والقضاء والقدر الإلهيين.
- والإشكالية المطروحة تتلخص في السؤال التالي: لماذا يجب علينا أن ندعو إذا كان الله قد قَدّر الأمور، وأنها ستسير في نفس اتجاه التقدير والقضاء الإلهيين، سواء أ دعونا أم لم ندعُ؟
- يمكن الرد على هذه الإشكالية من خلال عدة نقاط، من بينها – وبشكل مختصر - ما يلي:
1. الدعاء حاجة فطرية ناشئة من ضعف الإنسان: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر:15]، ومن حاجته إلى القوة التي تخلّصه من مآزق الحياة وتقلباتها: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [يونس:22].
2. الدعاء في نفسه مطلوب، بغض النظر عن مسألة القضاء والقدر الإلهيين، وهو من أهم العبادات، سواء أ كان الإنسان في الشدة أو الرخاء، وعواقب التعالي على ذلك وخيمة: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر:60].
3. لا يصح أن يكون إيمانُنا بالقضاء والقدر سبباً للامتناع عن السعي لتحقيق ما نريد... إذا كان
الطعام والشراب مقدراً لك، فلماذا تعمل لكسب الرزق؟ من المفروض أن تجلس في بيتك وتنتظر مجيء ذلك الطعام والشراب... هكذا الأمر تماماً بالنسبة إلى الدعاء، فهو سبب من أسباب تحقق الأمور من خلال سعي الإنسان: (عن مُيسَّر بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال لي: يا مُيسَّر، ادع ولا تقل إن الأمر قد فُرغ منه، إنّ عندَ الله عزوجل منزلةً لا تُنال إلا بمسألة) أي إلا بالطلب والدعاء (ولو أن عبداً سدّ فاهُ ولم يسأل لم يُعطَ شيئاً. فسَل تُعطَ، يا مُيسَّر، إنه ليس من بابٍ يُقرَع إلا يوشك أن يُفتَح لصاحبه). قد تحتاج أن تقرعه مرة، أو مرتين أو عشراً.
- لماذا يجب أن تكرِّر المحاولة؟ لأن جانباً من القضاء والقدر الإلهيين مرتبط بقراراتنا وأعمالنا، ومن بينها الدعاء، فالقضاء والقدر لا يعني أننا مسيّرون كالآلات، بل يعني أن الأمور في الحياة تسير وفق القوانين، ومن بين هذه القوانين أن الدعاء سبب من أسباب تحقق بعض الأمور، والدعاء من الإنسان، والإجابة من الله عز وجل.
4. العلم الإلهي السابق لا يرتبط بالنتيجة فحسب بل بالمقدمات أيضاً، ومن بينها الدعاء.
5. هناك قضاء إلهي نهائي وقضاء معلّق، فالله مِن واسع رحمته بعباده أنه جعل الأمور قابلة للتغيّر، إلغاءً وتحقّقاً وزيادةً ونقصاناً، لأنها من الأساس معلقة على الصدقة أو البر بالوالدين أو الدعاء... إلخ. (يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) [الرعد:39].
6. وأخيراً، يجب أن نُدرك حقيقة أن الدعاء في الإسلام ليس على الدوام بابٌ من أبواب الطلب والإجابة، بل أيضاً هو بابٌ من أبواب التربية الإيمانية والأخلاقية والروحية، بما يشتمل عليه من مفاهيم وتوجيهات ومعارف صيغت بأسلوب أدبي وروحي رفيع.