خطبة الجمعة 29 جمادى الأولى1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: العطاء في سيرة الزهراء

- صور العطاء في سيرة مولاتنا فاطمة الزهراء (ع) عديدة، ومن بين ما نُقل إلينا:
1. العطاء المادي: وليس بالضرورة أن يكون من الأموال النقدية، بل أقصد بذلك العطاء مما يملكه الإنسان، ولو كان شيئاً عينياً. قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان:8-9]. والمروي أن الآيات مرتبطة بقصة تضحية الزهراء وعلي (ع) بتقديم طعامهما ثلاثة أيام متتالية لثلاث حالات إنسانية.
2. العطاء الروحي والمعنوي: عن الإمام الحسن (ع) قال: (رَأَيْتُ أُمِّي فَاطِمَةَ (ع) قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا لَيْلَةَ جُمُعَتِهَا فَلَمْ تَزَلْ رَاكِعَةً سَاجِدَةً حَتَّى اتَّضَحَ عَمُودُ الصُّبْحِ وَسَمِعْتُهَا تَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ‏ وَتُسَمِّيهِمْ وَتُكْثِرُ الدُّعَاءَ لَهُمْ وَلا تَدْعُو لِنَفْسِهَا بِشَيْ‏ءٍ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّاهْ، لِمَ لا تَدْعِينَ لِنَفْسِكِ كَمَا تَدْعِينَ لِغَيْرِكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، الْجَارُ ثُمَّ الدَّارُ).
3. العطاء العلمي: عن الإمام العسكري (ع): (حَضَرَت امْرَأَةٌ عِنْدَ الصِّدِّيقَةِ فَاطِمَةَ الزّهراء (ع)، فَقَالَتْ: إِنَّ لِي وَالِدَةً ضَعِيفَةً، وَقَدْ لَبِسَ عَلَيْهَا فِي أَمْرِ صَلاتِهَا شَيْ‏ءٌ، وَقَدْ بَعَثَتْنِي إِلَيْكِ أَسْأَلُكِ، فَأَجَابَتْهَا فَاطِمَةُ (ع) عَنْ ذَلِكَ، فَثَنَّتْ فَأَجَابَتْ، ثُمَّ ثَلَّثَتْ إِلَى أَنْ عَشَّرَتْ فَأَجَابَتْ، ثُمَّ خَجِلَتْ مِنَ الْكَثْرَةِ فَقَالَتْ: لا أَشُقُّ عَلَيْكِ يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ، قَالَتْ فَاطِمَةُ: هَاتِي وَسَلِي عَمَّا بَدَا لَكِ، أَرَأَيْتِ مَنِ اكْتُرِيَ يَوْماً يَصْعَدُ إِلَى سَطْحٍ بِحِمْلٍ ثَقِيلٍ وَكِرَاهُ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ يَثْقُلُ عَلَيْهِ؟ فَقَالَتْ: لا، فَقَالَتْ: اكْتُرِيتُ أَنَا لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ بِأَكْثَرَ مِنْ مِلْ‏ءِ مَا بَيْنَ الثَّرَى إِلَى الْعَرْشِ لُؤْلُؤاً، فَأَحْرَى أَنْ لا يَثْقُلَ عَلَيَّ).
4. العطاء ببذل الجهد: عن أمير المؤمنين علي (ع) أنّه قال لرجل من بني سعد: (أَلا أُحَدِّثُكَ عَنِّي وَعَنْ فَاطِمَةَ الزّهراء؟ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدِي فَاسْتَقَتْ بِالْقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَ فِي صَدْرِهَا، وَطَحَنَتْ بِالرَّحَى حَتَّى مَجِلَتْ يَدَاهَا، وَكَسَحَتِ الْبَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا، وَأَوْقَدَتْ تَحْتَ الْقِدْرِ حَتَّى دَكِنَتْ ثِيَابُهَا، فَأَصَابَهَا مِنْ ذَلِكَ ضُرٌّ شَدِيدٌ).
- لم أذكر هذه الصور من أجل تعظيم شخصية الزهراء (ع) فحسب، وهي من دون شك أعلى مقاماً مما نقول، ومما نُثني عليها به، بل مِن أجل تكون نموذجاً عملياً لكل فتاة، ولكل سيدة، تجد في فاطمة (ع) مثالاً يُمكن أن يُحتذى به.
- واحدة من الأبعاد الشخصية التي جعلت الزهراء هي الزهراء التي نقدِّسُها، تتمثّل في روحية العطاء والتضحية والإيثار، وهي الخصلة التي نحتاج إلى تنميتها في بناتنا وأخواتِنا في عالَمٍ يَضج بالروح المادية والنزعة الذاتية، في عالمٍ صارت فيه أنانيةُ المذهب الرأسمالي هي الطاغية في صياغة الشخصية، وإن كانت بنسب متفاوتة.
- عندما تتنافس بعض الفاشنستات على مواقع التواصل الاجتماعي أيّهن استطاعت أن تمتلك أثمن المجوهرات، وأفخم القصور، وأغلى السيارات، بغض النظر عن طرق الكسب ومصادر التمويل، ثم تُقدَّم الواحدة منهن على أنها النموذج الذي تطمح إلى بلوغه كلُّ فتاة، فهذه تُمثّل ذُروةَ الانحطاط الذي تقود إليه مادية الرأسمالية البشعة التي تجعل مِن المال والمُلك العنوان الأبرز والأهم في تحقيق السعادة والنجاح في الحياة، وإنْ تمّ ذلك على حساب حقوق الآخرين أو سعادتهم أو راحتهم. وحسبُنا أننا كنا نُعلّم بناتِنا قصصَ التضحية في الدائرة الإسلامية، في شخصيات من قبيل السيدة خديجة بنت خويلد وفاطمة الزهراء والعقيلة زينب وأم عمارة نُسيبة بنت كعب، وفي الدائرة الأعم في شخصيات من قبيل فلورنس نايتنجيل، والأم تيريزا، وغيرهن، فإذا بنا قد تركناهن اليوم ضحايا للفاشنستات، يغرسن في نفوسهن كلَّ صورِ النرجسية المقيتة.