خطبة الجمعة 8 جمادى الأولى1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: آيات أم معاجز؟


- مصطلح (آية) من المصطلحات القرآنية التي كثُر استعمالها.
- والآية -لغوياً- هي العلامة والإمارة الظاهرة التي تدل على شيء ما وتستدعي التثبّت والتوقف عندها. وهي مشتقة من «التأيّي». قال ابن منظور: (يُقال: قد تأيَّيْتُ، أي: تَلبَّثْتُ وتحَسَّبْتُ).
- ومن هنا أطلق الله «عز وجل» على المقاطع التي تتشكّل منها السور القرآنية عنوان «آيات»، لأنها علامات ودلائل ظاهرة تدل على سماويّتها وصحة نبوة محمد«ص»، ولأن ما فيها من مضامين إيمانية وتشريعية وأخلاقية وحِكَمية، تستدعي النظر والتثبّت والتوقف عندها والاستفادة منها.
- ومن الأمور التي ينبغي أن نلتفت إليها أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح «معجزة» للدلالة على ما أيّد به بعض الأنبياء، أو الأمور الخارقة للقوانين الطبيعية، بل استعمل مصطلح «آية».
- واستعمال كلمة «آية» بشأن ما نُطلِق عليه عنوان «المعجزة» أوفق بالغاية منها.
- فالغاية الرئيسة والأهم عند الله هي هدايةُ الناس وإرشادُهم وإخراجُهم من غفلتهم، وفتحُ أعينِهم على الحقائق، لا التعجيز والتغلّب والقهر والدخول في حالة تحدٍّ مع عباده وهو القوي العزيز، وإنْ كان هذا حاصلاً في بعض الأحيان بسبب العناد والطغيان والجحود.
- ومن المفترض بنا أن نعيد الاعتماد على المصطلحات القرآنية، لأن لهجرانها واستبدالها بمصطلحات أخرى آثار سلبية متعددة، من بينها خفاء أو ضياع بعض المفاهيم المهمة المرتبطة بالمصطلح، كالذي نحن فيه، مما يؤدّي أيضاً لخلل عند التطبيق بإدخال أو إخراج بعض الأحداث على اعتبار أنها من المعاجز أم ليست منها.
- وآيات القرآن الخالدة وعظمة تأثيرها تفوق شأناً الآيات المادية محدودة الزمن والتأثير، وقد أُعطي النبي (ص) أكثر من ستة آلاف آية خالدة بخلود القرآن، فالآيات المصدِّقة لرسالة محمد (ص) أكثر عدداً وأكثر امتداداً في الزمان والمكان، وأعظم من أية آية أخرى نزلت على أي إنسان.
- ثم إن من مميزات الآيات الإلهية بحسب القرآن أنها:
أ) تفوق قدرات البشر: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
ب) واضحة لا لَبس فيها: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ).
ج) قد تكون لإثبات مصداقية النبي: (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) فبم ردّ عليه فرعون؟ (قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ، وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ).
د) وقد تكون لإنقاذ صاحبها: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ).
هـ) وقد تكون بغرض التخويف وتحقيق الصدمة من أجل هداية الناس: (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا).
و) وقد تكون تحدّياً بغرض الهداية: (فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ، أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ، قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ، أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ، أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لّا يُؤْمِنُونَ، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ).
ز) كما قد تكون وسيلة لتأكيد حقيقة من الحقائق التي يُنكرها الناس، فقد اعتبر القرآن الكريم أن السيدة مريم بنت عمران كانت آية من آيات الله للدلالة على قدرته على الخلق والبعث: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:91]، وسأتحدث في الخطبة الثانية عن هذا الأمر بصورة أكثر تفصيلاً بإذن الله تعالى.