خطبة الجمعة 3 ربيع الآخر1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: ملف العمالة المنزلية.. ملاحظات ووصايا


- اطّلعنا في الخطبة الأولى على بعض النصوص والأمثلة من سيرة النبي وآله (ع) في التعامل مع العمالة المنزلية، وأود أن أقدّم بعض الملاحظات المتعلقة ببعض الجوانب الإنسانية والشرعية والقانونية التي يجب أن يلتفت إليها أصحاب العمل عند التعامل مع هذا الملف.
1- الخادمة أو الخادم – من أي بلد كان ومن أية ديانة – عبارة عن إنسان.. مشاعر، وهموم، وأفكار، وطموحات، وقدرة محدودة، وهو معرّض للمرض، والاكتئاب، وضعف الهمة، والإجهاد، والملل، وتسلّط الهموم والأفكار عليه... إلخ مما يعرض على أيِّ فرد منّا.
- بل يُضاف إلى ذلك أن هذا الإنسان يعيش في بلد غريب، وأحياناً تحت ضغط الشعور بالاستضعاف، مع اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد، ولغة التفاهم، وفي كثير من الأحيان الإحساس بالوَحدة نتيجة عدم وجود زميل له في العمل من أبناء بلده أو من أية جنسية أخرى، بحيث يمكنه أن يتبادل معه الحديث.. فالإنسان كائن اجتماعي على كل حال.
- يضاف إلى ما سبق ضغط العمل في بعض البيوت ولفترة تتجاوز اثنتي عشرة ساعة، وتوفير بيئة للمعيشة غير متناسبة مادياً ونفسياً مع البيئة المحيطة... فبعض الغرف المخصصة لهم لا تتجاوز المتر ونصف المتر في مترين، ولربما تُحشر فيه خادمتان أحياناً، وكأنّ المكان قبر.
- صحيح أن العمالة المنزلية تأتي من بيئات فقيرة، ولكن ضيق المكان بهذه الصورة مع مقارنتهم للغرف الفارهة التي يعيش فيها أصحاب العمل ستولّد لديهم نوعاً من المشاعر السلبية.
- وسواء أكانوا محقّين في شعورهم هذا أم لا، فإنّ مثل هذه المشاعر - شئنا أم أبينا - ستتولد وستؤثّر على نفسياتهم وعملهم ومواقفهم وردود أفعالهم.
- غالبية هذه اليد العاملة في المنازل تأتي من بيئات فقيرة ثقافياً وعلمياً، ولربما لا يتلقّون إلا مقداراً بسيطاً من التربية الأخلاقية، بل وقد يتلقّون مفاهيم اجتماعية وسلوكية خاطئة، ويعتبرونها أسساً في التعامل، وهذا يُلقي بظلاله على سلوكياتهم وردود أفعالهم وكيفية نظرتهم وتحليلهم للأمور.
- إدراك هذا البُعد في العمالة المنزلية والتعامل معهم على هذا الأساس قد يقلّص بعض السلوكيات السلبية تجاههم، ويحدّ من بعض الخلافات التي قد تظهر بمرور الأيام، ويجعل العلاقة الوظيفية أكثر ودّية، وأكثر إنسانية وحضارية.
2- ينبغي أن يدرك أصحاب العمل أن العاملين لديهم في المنازل ليسوا من العبيد الأرقّاء، بل هم أُجَراء يعملون في وظيفة، وهذه الوظيفة يحكمها عقد عمل. وإدراك هذه الحقيقة – وأعني هنا على وجه التحديد الإدراك العملي لا النظري - سيترتب عليه عدة أمور، من بينها:
أ. إلغاء تداول مصطلح (بيع) الخادمة والسائق، ولو كان الاستعمال على سبيل المجاز.. فهو مصطلح مَعيب ومُشين في هذا الزمان، ويعكس صورة غير حضارية عن سلوكياتنا ومفاهيمنا.
ب. في حال الرغبة في إنهاء التعاقد مع اليد العاملة ونقل مقرّ عملها وإقامتها إلى مكان آخر، يجب إعطاؤها حق اختيار الأسرة التي ستنتقل للعمل عندها أو على الأقل استشارتها في ذلك وعرض الأمر على الأجير، وأما الإجبار فلا يحدث إلا في حال كون الخادم عبداً أو أمةً في نظر صاحب العمل. فوجود عقد العمل لا يسلبهم حق الاختيار والإرادة إلا من منظور الرقّية والعبوديّة.
ج. إعطاؤها مستحقاتها كاملة وفق بنود التعاقد، وللأسف فإن بعض أصحاب العمل يؤجّلون رواتب العاملين لديهم، ثم يساومونهم بعد عدة أشهر بين الاكتفاء بجزء من مجموع الرواتب أو لا شيء.
3- حرمة العدوان عليهم جسدياً ومعنوياً بالضرب والسب والتحقير والاستهزاء، مسلمين كانوا أو غير ذلك، فكونهم موظَّفين وأجراء لا يسلب منهم الكرامة الإنسانية حيث يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء:70]، ولا يجعلهم مستثنين من مثل قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات:11] وغير ذلك من النصوص والأحكام التي تنظّم العلاقات الإنسانية في الإطار الشرعي والأخلاقي.
- وفوق هذا وذاك، فلننتبه إلى أن التعامل الإنساني مع العمالة المنزلية قد يفتح لهم أبواب الهداية إلى الإسلام إن لم يكونوا مسلمين، وقد يفتح لهم أبواب الالتزام الديني إن كانوا مسلمين غير ملتزمين لجهلهم أو لتمردهم، وقد يفتح لهم أبواب تغيير سلوكياتهم السلبية إنْ رجعوا إلى ديارهم، فنكون قد ساهمنا – ولو بصورة غير مباشرة – في تحسين أوضاعهم الاجتماعية في بلدانهم، وكل هذا يسجَّل رصيداً لنا في ميزان أعمالنا في الآخرة بإذن الله.