خطبة الجمعة 3 ربيع الآخر1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: ملف العمالة المنزلية.. إطلالة على السيرة

- موضوع العمالة المنزلية من القضايا التي يُعاد فتحها من قبل منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام من حين إلى آخر، ومن آخرها التقرير الذي أعدته إحدى القنوات العالمية حول أوضاع العمالة المنزلية في الخليج، وأثار ضجة كبيرة وردود فعل حتى على بعض المستويات الرسمية.
- ولا شك أنه بمجرد فتح هذا الملف، يتحدث أصحاب العمل عن معاناتهم المريرة من بعض نماذج العمالة المنزلية المتعِبة في التعامل، والجاهلة لأبسط أسس العمل، وما يتكبّدون من خسائر مالية نتيجة هروبهم، أو تقاعسهم عن العمل، وغير ذلك.
- وحيث أن الحضور من الإخوة والأخوات الأعزاء هم من أصحاب العمل، فلن يكون الحديث عن وجهة نظرهم مفيداً في شيء، وسيكون مجرد ترديد لكلامهم وشكاواهم وهمومِهم.
- وغرضي أن أسلّط الضوء على بعض الجوانب الإنسانية والشرعية والقانونية التي يجب أن يلتفت إليها أصحاب العمل عند التعامل مع هذا الملف.
- وسأبدأ بمجموعة من الأحاديث المروية في هذا الباب، وقسم منها وإن كان يتعلّق بالمملوكين، ولكن يمكن القول أنّ المضمون يشمل العمالة المنزلية ككل، فإذا كانت هذه النصوص تدعو للتعامل مع المملوكين بالحُسنى، فمن باب أولى أن يكون التعامل بالحسنى أيضاً مع اليد العاملة الحرّة.
- في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع): (وحقُّ مملوكك أن تعلم أنه خَلْق ربك وابن أبيك وأمك، ولحمك ودمك، لم تملكه لأنك صنعته دون الله تعالى) أي لم يصبح مملوكك لأنك صانعه بل ملَكته بطريقة أو بأخرى (ولا خلقتَ شيئاً من جوارحه، ولا أخرجتَ له رزقاً، ولكن الله عزوجل كفاك ذلك ثم سخَّره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه، ليحفظَ لك ما تأتيه من الخير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك، وإن كرهته استبدلت به، ولم تُعذِّب خلق الله عز وجل ولا قوة إلا بالله).
- عن النبي (ص): (مَن ظَلم أجيراً أجرَه) والعلاقة مع العمالة المنزلية علاقة إجارة (أحبط الله
عملَه) أي أن هذا النوع من الظلم سيؤثّر على قيمة أعمال الإنسان في الآخرة، فيجده هباءً منثوراً.
- وفي رواية أخرى عن النبي (ص): (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومَن كنتُ خصمَه خصمتُه... ورجلٌ استأجَر أجيراً فاستوفى منه) أي أدّى الأجير ما طُلب منه (ولم يوفِّه أجرَه).
- عن أبي جعفر (ع) قال: (لما حضر علي بن الحسين (ع) الوفاة ضمّني إلى صدره، ثم قال: يا بني، أوصيك بما أوصاني به أبي (ع) حين حضرته الوفاة، وبما ذَكر أنّ أباه) أي أمير المؤمنين علي(ع) (أوصاه به، قال: يا بني، إياكَ وظلمَ مَن لا يجدُ عليك ناصراً إلا الله).
- يروي أبو ذر أنه أساءَ لخادمٍ له، فقال له النبي (ص): (إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ) في هذه العبارة تقديم للخبر على المبتدأ، أي خَولُكُم إخوانُكم، للاهتمام بشأن الأخوة، ومعنى خولكم أي خدمكم أو عبيدكم الذين يتخوّلون الأمور أي يصلحونها (جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ).
- لاحظ الآن في الرواية التالية تطبيق بعض ما جاء هنا.
- عن الإمام الصادق (ع) قال: (في كتاب رسول الله (ص): إذا استعملتم ما ملكَت أيمانُكم في شيء يشقُّ عليهم، فاعملوا معهم فيه. قال: وإنْ كان أبي) أي الإمام الباقر (لَيَأمُرُهُم فَيَقول: كَما أنتُم، فَيَأتي فَيَنظُرُ فَإِن كانَ ثَقيلاً قالَ: بِسمِ اللهِ، ثُمَّ عَمِلَ مَعَهُم. وإن كانَ خَفيفاً تَنَحّى عَنهُم).
- وعن ياسِر ونادِر، وكانا من خدم الإمام علي بن موسى الرضا (ع) قالا: (قالَ لَنا أبُو الحَسَنِ (ع): إنْ قُمتُ عَلى رُؤوسِكُم وأنتُم تَأكُلونَ) أي دخلت عليكم وكنتم جلوساً تأكلون (فَلا تَقوموا حَتّى تَفرُغوا. ولَرُبَّما دَعا بَعضَنا فَيُقالُ لَه: هُم يَأكُلونَ، فَيَقولُ: دَعهُم حَتّى يَفرُغوا).
- ستكون لي في الخطبة الثانية بإذن الله وقفة مع بعض الملاحظات التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار من قبل أصحاب العمل في علاقتهم بالعمالة المنزلية.