خطبة الجمعة 25 ربيع الأول 1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: قطرة من خمر

- من المعلوم أن لدينا في الشريعة الإسلامية أوامر تبلغ في إلزامها حدّ الوجوب، وأيضاً نواهي تبلغ في إلزامها حدّ الحرمة.
- وإيماننا بأن الله عز وجل حكيم، وأن لا عبثية في أعماله ولا في تشريعاته يجعلنا نقول من دون تردُّد بأن هذه الإلزامات الآمرة والناهية لم تأتِ عبثاً، بل جاءت تبعاً للمصالح والمفاسد، والمنافع والمضار.
- كما أن عدداً من النصوص تُصرِّح بوجود مثل هذا الارتباط بين الإلزامات من جهة، وبين المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار... وذلك من قبيل المروي عن الإمام الرضا (ع) أنه قال: (إن الله تبارك تعالى لم يُبح أكلاً ولا شُرباً إلا لما فيه المنفعة والصلاح، ولم يحرّم إلا ما فيه الضرر والتلف والفساد، فكل نافع مقوٍّ للجسم فيه قوة للبدن فحلال، وكل مضرٍّ يُذهب بالقوة أو قاتلٍ فحرام، مثلَ السُّموم والمَيتة والدم ولحم الخنزير).
- وعنه (ع): (فإنْ قال قائل: لِمَ أمرَ الله العباد ونهاهم؟ قيل: لأنه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلا بالأمر والنهي، والمنع عن الفساد والتغاصب)... وهناك أدلة أخرى تؤكد ذلك.
- مع ملاحظة أن هذه المنافع والمضار والمصالح والمفاسد قد لا تعود على الفرد نفسه، بل قد يكون مردودها الإيجابي، أو الضرر المدفوع من خلالها راجعاً إلى الصالح العام.
- لاحظ كيف أن الضرر والمفسدة بخصوص النهي عن الخمر والميسر - في جانب منه - مرتبط بمصلحة عامة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة:90-91]
- كما أن بعضها قد يعود على غير الإنسان، كما في المروي في كتاب (مَن لا يحضر الفقيه) للصدوق عن النبي (ص) أنه: (أبصر ناقة معقولة) عقْل الدابة: ضَمُّ رُسغِها إلى عَضُدِها وربطُهُمَا معاً بالعقال لتبقى باركةً (وعليها جهازُها) وهذا يرهقها جداً، فإما أن يُفك العقال أو أن يُنزَل الجهاز مِن على ظهرها (فقال: أين صاحبُها؟ مُروه فليستعد غداً للخصومة).
- والإشكال الذي يُطرح في هذا الإطار: إذا كان تحريم الخمر مثلاً بسبب أنه مُسكر، وما يترتب على شربه من فساد ومضار على المستوى الشخصي والعام... فلماذا يَحرُم أن يَشرب الإنسان قطرةً من الخمر بحيث لا يتحقق من خلالها الإسكار ولا الإدمان، ولا تترتب من خلال ذلك المفسدة المذكورة في الآية بخصوص العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله والصلاة؟
- وهكذا، إذا كان تحريم أكل لحم الخنزير بسبب أضراره الصحية، واستطاع الإنسان أن يستخلص منه كل هذه المضار، وأكّد العلم بأن هذا اللحم أصبح غير مضرّ... فلماذا يُحرَّم؟
- ومثل ذلك سماع الأقسام المحرَّمة من الغناء والموسيقى، لو تم ذلك مرة أو مرات متفرقة، دون أن تترتّب الآثار النفسية والأخلاقية والإيمانية على الفرد... فلماذا تبقى محرّمة؟
- وفي المقابل، لو تمكّن الإنسان من أن ينالَ التقوى أو يحقق بناء الشخصية الأخلاقية المتزنة والصالحة عبر طريق آخر سوى العبادات الشرعية – كالصلاة - فلماذا نلزمه بها؟
- فبحسب الفرض السابق كان الإيجاب تابعاً للمصلحة والمنفعة، والمفروض هنا تحققها... وكان التحريم تابعاً للمفسدة والضرر، والمفروض في الأمثلة السابقة انتفاء ذلك... فلماذا يبقى الفرد مكلفاً بها؟
- سأحاول أن أجيب عن هذا الإشكال في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.