خطبة الجمعة 4 ربيع الأول 1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: إطفاء النائرة


- من دعاء مكارم الأخلاق كما جاء في الصحيفة السجادية: (اللَهُمَّ صّلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَلَّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَّقِينَ، فِي بَسْطِ الْعَدْلِ وَكَظْمِ الغَيْظِ وَإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ).
- النائرة هي: الشحناء والعداوة، وهي مشتقة من النار، فإذا كانت هناك نار مادية تُحرق وتدمِّر، فإن العداوات والنزاعات نارٌ من نوع آخر، ولها ذات المفعول في الحرق والتدمير.
- هناك حديث طريف في فكرته، مفيد في مؤدّاه: عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (أطفئوا نائرة الضغائن باللحم الثريد). أي استعملوا أسلوب الإطعام للتخفيف من حدة المشاعر السلبية تجاه بعضكم البعض.. والمثل يقول: (أطعِم الفم تستحي العين).
- في المقطع السابق من الدعاء، يبيّن الإمام (ع) أن من ضمن الصفات الجميلة التي يتزيّن بها الصالحون: تسكين حالات الشحناء والتباغض والنزاعات، إما ابتداءً، بنزع فتيل الفتن وعدم إثارتها.. أو بعد نشوبها، بالسعي للتصالح وتخفيف حدّة الخلاف والبحث عن مخارج للأزمات.
- الأمن والتعايش السلمي من الغايات الرئيسة للتشريعات القانونية والتوجيهات الأخلاقية المرتبطة بالعلاقات الاجتماعية، حتى لو استدعى ذلك أحياناً التنازل عن شيء أو أكثر.
- الخلافات والنزاعات والعداوات إن لم تكن من شرّ الشيطان وكيده ابتداءً، فهي على الأقل تُسعده وتخدم مشروعه التدميري الناشيء عن عداوته للبشرية. قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) [المائدة:91].
- ولهذا يعظنا الله تعالى ويحذّرنا من كيد الشيطان وشرّه: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ) [الأعراف:27]، حيث كانا يعيشان حالةً من الأمن والسلم والاستقرار، ثم فقدا ذلك كله.
- والذي ينبغي الالتفات إليه هو أن مثل هذه المواقف التي تُشعِل النائرة تُقدَّم مزيَّنة بعناوين شرعية ومصلحية، وليست في الواقع سوى خدمة أخرى لصالح المشروع الإبليسي، وتقدَّم على
طبق من ذهب: (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) [النمل:24].
- فليسع كلُّ واحدٍ منّا أن يكون إطفائياً لنيران الخلافات والنزاعات، سواءً تلك التي قد تشتعل أو اشتعلت فعلاً في إطار الأسرة، أو الأصدقاء، أو في الدائرة الأكبر، وسواء منها ذات الطابع الاجتماعي أو السياسي أو الأمني، ولنتذكّر هذا المقطع من دعاء الإمام زين العابدين (ع) الذي يبيّن فيه أن من الصفات الجميلة للصالحين أن يكونوا من المبادرين إلى إطفاء هذه النيران: (وَحَلَّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ الْمُتَّقِينَ، فِي بَسْطِ الْعَدْلِ وَكَظْمِ الغَيْظِ وَإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ).