خطبة الجمعة 28 محرم 1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الأزواج والعزة الكاذبة

- تحدثت في الخطبة الأولى عن العزة والكرامة، وأؤكد من جديد على أنها هبة إلهية، والذي وهبك أياها يريد منك أن تركنها جانباً في بعض المواضع.. وبهذا يحكم العقل وتلتقي بالحكمة.
- ومن هنا امتدح سبحانه المؤمنين كالتالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54].
- عندما تعيش هذه الحالة فإنّ (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ).. أي نعمة عظيمة مِن الله، وقد وفِّقت لها، وهي لا تتحقق لكل أحد.. بل تتحقق لمن يحبهم الله ويحبونه.
- وقد يعيش المؤمنون – من الجنسين - مثل هذه القيم الأخلاقية السلوكية مع أصدقائهم وأقربائهم أحياناً، ولكنهم ينسون أو يغفلون أو يتغافلون عنها عندما يتعلّق الأمر بشريك الحياة.. الزوج تجاه زوجته، والزوجة تجاه زوجها.
- وهذا ملاحظ، وهو أمر غريب، لأن من المفترض أن تكون العلاقة الزوجية عاملاً وعنواناً إضافياً لمزيد من الحرص على إعمال مثل هذه القيم.
- فإذا كان المؤمن أخاً في الله، فعامَلْته وفق ذلك المعيار من العفو والتسامح والمبادرة بالاعتذار، وتعاليت على كبريائك، وتغافلت عن عزة نفسك وكرامتها، انسجاماً مع التعاليم الإسلامية في ما له علاقة بحقوق الأخوّة، ورغبةً في استمرار العلاقة بينكما، فإنّ ما يجمع الزوج بزوجته، والزوجة بزوجها أكثر من ذلك، لأن عنوان الزوجية لم يلغ حقوق الأخوة بالله فيما بينهما.
- وما جاء – مثلاً - في سورة الحجرات من الآية العاشرة إلى الثانية عشرة من تعاليم تنظّم العلاقة الأخوية الإيمانية بالإصلاح، وعدم السخرية، وعدم اللمز والتنابز بالألقاب، واجتناب الكثير من الظن، وعدم التجسس، وعدم الاغتياب، ورعاية تقوى الله في العلاقة، كل هذه العناوين تبقى قائمة بين الزوجين.. بل هي أَوْلى فيما بينهما مما لو كانت مع أخيك أو أختك في الله.
- العلاقة الزوجية كغيرها من العلاقات الإنسانية، معرّضة لوقوع المشاحنات والمشاجرات، وقد تتأزم الأوضاع بين الزوجين، وقد تصل إلى مرحلة حرجة.. وتأتي مسألة الكرامة والعزة كواحدة من عوائق المبادرة للمصالحة وتجاوز الخلافات.
- فالمرأة تشعر بأن إقدامها على هذه الخطوة فيه انتقاص من كرامتها، وتجاوز على أنوثتها، لأن من المفترض أن تكون المبادرة بالاهتمام والدلال صادرة عن الرجل.
- وفي المقابل، فإن الرجل يشعر بأن ذكوريته وقوامته على الأسرة وشخصيته لا تسمح له بالتذلل للفرد الأضعف في التركيبة الأسرية، خاصة وأن كلمته يجب أن تكون هي المسموعة، وعلى الزوجة أن تطيعه، لا أن تناقشه وتخالف أوامره.
- ولكن المصلحة العليا – وهي المحافظة على الأسرة والحالة الزوجية والميثاق الغليظ - تفرض عدم الاعتناء بكل هذا، وتجاوز العزة الكاذبة، والكبرياء في غير محله.. فرب العزة الذي نظّم
العلاقات الإنسانية يريد من الطرفين أن يضعا كل شئ في موضعه.. هذه هي الحكمة.
- الحكمة في أن يبادر أحدهما بتجاوز المشكلة.. بالاعتذار بطريقةٍ ما.. أن يكون شجاعاً بما فيه الكفاية لطرح الحلول الناجعة، وعلى الآخر أن يقبل ذلك الاعتذار ويقدّر له هذه المبادرة.
- طبعاً أنا لا أدعو إلى أن يتحمل طرف واحد مسئولية الاعتذار والتنازل على طول الخط، وإن كان الآخر مخطئاً، بل أن تكون المبادرة منطلقة من الإحساس بالمسئولية والمودة والرحمة.
- إن المكابرة في الخلافات الزوجية، والإصرار على استمرارها، بذريعة الحفاظ على عزة النفس، والكرامة الشخصية، لن تصنع إلا بيتاً تعيساً، وبيئة مشحونة بالصراعات، وأسرة مفككة، وخلافات مستمرة، وقد أخبر الله عز وجل عن شأن بعض الطغاة: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ)، أي أن عزته الكاذبة الناشئة عن روحية الطغيان حملته على المكابرة على الاعتراف بارتكاب الإثم المنهي عنه، وأغرَته بالاستمرار على ارتكابه، وإن كان في قرارة نفسه يدرك الحقيقة، وأن الخير في الاعتراف وتصحيح الموقف.. ومن الممكن أن يتحوّل الزوج إلى طاغوت في بيته، وأن تصبح الزوجة طاغوتاً في إطار الأسرة، ومفتاح ذلك أن تأخذهما العزة الكاذبة والتشدّق بالكرامة نحو تدمير رابط الزوجية من خلال الإصرار على الموقف، والمكابرة على الخطأ، والتعالي على التسامح، من دون مبرر حقيقي يستدعي ذلك، ولنستذكر من جديد قول النبي (ص): (عليكم بالعفو، فإن العفو لا يزيدُ العبدَ إلا عِزاً، فتعافوا يُعزِّكم الله).