خطبة الجمعة 21 محرم 1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: سيرة الإمام زين العابدين - إعادة قراءة

- هناك العديد من النقاط التي تحتاج إلى إعادة قراءتها، وكذلك إعادة عرضها في سيرة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع)، لا سيما بلحاظ أنه شخصية جامعة أقبل عليها المسلمون عبر التاريخ، واعتنوا بها على اختلاف طوائفهم.
- فإذا كان من البديهي إقبال المسلمين على أمير المؤمنين علي (ع) أو على سبطي رسول الله (ص)، إلا أننا نجد من بين أئمتنا كالكاظم والرضا والجواد ومن بعدهم من هم بمثابة شخصيات شبه مجهولة، وكأنها شخصيات خاصة بالمدرسة الإمامية.
- أما الإمام زين العابدين (ع) فله من الشهرة والأثر ما جعل بعضَ تفاصيلِ سيرتِه ووصاياه وأدعيتِه وكلماتِه وأحاديثِه، وحتى لقبه المبارك، موضع عناية واهتمام وتداول مِن قبلهم.
- بائع من بنغلاديش جلب ابنَه ليعمل في الكويت، ولما سألته عن اسمه قال: (زين العابدين).. سألتُه: أتعرف من هو زين العابدين؟ قال: لا، لربما هو عنوان مذكور في القرآن. قلت له: لا.
قال: لا أعرف، ولكنه اسم جدّي زين العابدين، فأسميته على اسمه.. هذا مثال على ارتباط الناس بهذه الشخصية – ولو في مناطق بعيدة جغرافياً – وارتباطها به من حيث لا تعلم.
- لاحظ ماذا قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255هـ) في رسالةٍ عن فَضْل بني هاشم، ولعلها كانت بعنوان (فضل هاشم على عبد شمس) التي وضعها في أول خلافة الواثق بالله العباسي: (وأما علي بن الحسين بن علي فلم أرَ الخارجي في أمره إلا كالشيعي، ولم أرَ الشيعي إلا كالمعتزلي، ولم أرَ المعتزلي إلا كالعامي، ولم أرَ العامي إلا كالخاصي، ولم أجد أحداً يتمارى) أي يجادل ويرتاب (في تفضيله، ويشك في تقديمه).
- وقال: (إن عددتم النسّاك من غير الملوك فأين أنتم عن علي بن الحسين زين العابدين، الذي كان يُقال له: علي الخير، وعلي الأعز، وعلي العابد، وما أقسم على الله بشيء إلا وأبرّ قسمه... فأما الفقه والتفسير والتأويل، فإن ذكرتموه، لم يكن لكم فيه أحد) أي لم يدانيه أحد في
ذلك (وكان لنا فيه مثلُ علي بن أبي طالب... ومَن مثلُ علي بن الحسين زين العابدين؟).
- هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن صورة الإمام زين العابدين (ع) في أذهان شيعته – أحياناً - صورة غير ناضجة وباهتة، بل وغير متوافقة مع القراءة التاريخية الاستقصائية والسليمة.
- ولربما ساهمت في ترسيخ هذه الصورة المغلوطة بعضُ الروايات، بالإضافة إلى أسلوب العرض المأساوي والعاطفي لأوضاع وأحوال الإمام زين العابدين (ع) من قبل بعض الخطباء والشعراء، فهو الإمام العليل، الذي لم يكن له ذلك المستوى من الحضور في أجواء واقعة الطف ومقدماتها وتبعاتها، على خلاف أخيه علي الأكبر وسائر شهداء الطف.
- مِن هنا، كان من الضروري أن نعيد قراءة سيرة الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) قراءةً متأنّية وناضجة وبعيدة عن العاطفة، وأن تكون ضمن السياق التاريخي، وأن نقدّمها لكل المسلمين الذين عرِفوا - ولو بشكل جزئي - هذه الشخصية العظيمة فأحبّوها، أو ارتبطوا بها بنحو من الارتباط، ولم نوفَّق نحن في تقديمها وبثّها بالصورة التي نعطيها ولو جزء يسيراً من حقها، ولربما آثرنا احتكارَها، وبما يخالف وصيتهم (ع): حبِّبوا أهلَ بيتِ نبيِّكم إلى الناس.. ولي في الخطبة الثانية – بإذن الله - وقفةٌ ناقدة لتقديمه (ع) بالصورة النمطية على أنه الإمام العليل.