خطبة الجمعة 14 محرم 1441: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: ملاحظات حول روايات واقعة الطف

- لا شك أن أحداث واقعة الطف – بما في ذلك مقدماتها – كأي حدث تاريخي، لها رواتها الذين عاينوا وعايشوا الأحداث أو بعضها، ولها مصادرها التي جمعت الروايات وضمّتها إلى بعضها البعض وقدّمتها بصورة كتاب أو فصل من كتاب.
- إلا أنه بلحاظ أن الرجال في معسكر الإمام الحسين (ع) قد قُتلوا، والنساء لا يُتصوّر حضورهن في كثير من تلك المواقف، وبلحاظ أنّ مَن في معسكر الأمويين لا يمكن لهم أن ينقلوا ما جرى بين أصحاب الإمام في الطريق إلى كربلاء، وكذلك في نفس كربلاء.. هنا يأتي السؤال:
- مَن الذي نقل الأحداث والحوارات بهذه الصورة التفصيلية التي نتداولها اليوم؟ أم أنها – في غالبيتها - مواقف وحوارات خيالية، لربما أضيفت من قبل بعض المؤرخين لمليء الفراغات في تفاصيل الأحداث، وطلباً للإثارة والتشويق، واستسلاماً لأسلوب القصاصين في الوضع.
- الملاحظة الأولى: أنني لا أتحدث عما روي في المصادر المتأخرة نسبياً ولم يكن له سند أو مصدر في القرون الأولى القريبة زمنياً من الحدث، لأن هناك كماً من هذه المرويات التي ظهرت في القرن السابع الهجري وما بعد، وليس لها ذِكر في المصادر القديمة ولا سند متصل.. فمثل هذه المرويات محل شك على الأقل.
- الملاحظة الثانية: أن تفاصيل واقعة الطف المروية في مصادرها القديمة لا تختلف عن سائر الأحداث التاريخية التي رواها الشهود، ووقع منهم الخطأ، أو الخلط، أو الكذب، أو غير ذلك.. وبالتالي فإن وجود الرواية في المصادر القديمة لا يعني في ذاته صحة الخبر أو دقته.
- الملاحظة الثالثة: أن ضعف أسانيد المرويات التاريخية عموماً – بما في ذلك روايات واقعة الطف - لا يعني بالضرورة عدم صحة المضمون، فالمجاهيل وعدم الثقات لا يكذبون على طول الخط، ووجودهم في الأسانيد لا يعني حتمية بطلان مضمون الرواية.
- فالمعيار هو دراسة المضمون وتحليل مدى معقوليته، وعدم تعارضه مع بعض المعطيات التاريخية الثابتة مثلاً، وغير ذلك مما يُعتمَد كأسس في تقييم الروايات التاريخية.
- الملاحظة الرابعة: قبل عرض أسماء عدد من شهود العيان لأحداث واقعة الطف في مقدماتها وتفاصيلها وتبعاتها، لابد أن ندرك أن مَن كان مع الإمام الحسين (ع) من الرجال لم يستشهدوا بأجمعهم، بل بقي بعض منهم على قيد الحياة، وهم يمثّلون بعض مصادر تلك الروايات.
- كما أن بعض النساء والصغار ممن كانوا في معسكر الإمام الحسين رووا بعضاً من الأحداث.
- ويضاف إليهم قسم ممن كانوا في معسكر الأمويين، وبعضُ الذين عايشوا مقدّمات الأحداث في المدينة أو مكة أو في الطريق دون أن يشتركوا في المعركة.
- وقد قام اثنان من المحققين المعاصرين بتقديم بحثين مهمين:
- الأول: في حصر وتحديد رواة تفاصيل واقعة الطف، وقد قام به أخونا العزيز سماحة السيد محمد الحسيني.
الثاني: حصر وتحديد الكتب المتضمنة لأخبار وقائع النهضة الحسينية عبر القرون المتلاحقة وترتيبها زمنياً تبعاً لسنة وفاة المؤلف، وقد قام به سماحة السيد محمد الترحيني.
- وسأقوم في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى بتقديم صورة إجمالية عن البحث الأول الخاص بالرواة، ولربما أقوم بعرض البحث الثاني – ولو بصورة إجمالية - في وقت لاحق.