خطبة الجمعة 11 شوال 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: سلوكياتنا في موسم السفر

- عن الإمام الصادق (عليه السلام): (كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم، ليَروا منكم الورعَ والاجتهادَ والصلاةَ والخير، فإنّ ذلك داعية).
- في الصيف، وحيث ينتشر الناس في أنحاء العالم بحثاً عن الراحة والاستجمام والابتعاد عن حرارة الجو، من الضروري الانتباه إلى سلوكياتنا بما يُعطي انطباعاً إيجابياً عنا كأفراد، وعن المسلمين كمجموع، وعن الإسلام كانتماء.
- قبل 3 سنوات، وبالمانشيت العريض لإحدى الصحف الخليجية كان العنوان: (كشتات طبخ وشيش تحت برج إيفل ورقص وشيلات في أفخم شوارع أوروبا وسرقة طيور الهايد بارك وإتلاف للممتلكات العامة مخجل ومرفوض.. سلوكيات السياح في الخارج.. «إذا منت كفو لا تسافر»).
- وتحدّث المقال عن حجم الصورة السلبية التي قد يتركها السياح عند عدم مراعاة الأنظمة والقوانين، والقيام بسلوكيات لا تتناغم مع الأعراف أو الجو العام في البلد المقصود.
- وما جاء في هذه الصحيفة الخليجية يمكن تعميمه على أي سائح، ولا يخص بلداً بذاته.
- بالطبع، من المفترض أن لا تكون هناك ازدواجية في السلوك.. فكما ذكرت في الأسبوع الماضي، يفترض بالأخلاقيات أن تكون نابعة من الشخصية، وليست حالة طارئة ومتكلَّفة.
- ولكن أحياناً يحتاج الإنسان إلى التكلّف وإلزام النفس، وأن يفعل ما قد لا يلتزم به عادة، لا من باب الرياء، ولا النفاق، ولا ازدواجية الشخصية، بل من باب تعويد النفس والتدريب، أو لوجود ما يستدعي الاهتمام بذلك.
- مثلاً، الشخص الذي يطّلع على أهمية ممارسة الرياضة، بلحاظ أن في ذلك مصلحة صحية، وهو ليس من أهل الرياضة، هل يُعاب عليه ذلك؟
- وهكذا، فإن الشخص الذي يدخل المكتبة فيلتزم الهدوء التام والصوت المنخفض، مع أن هذا ليس من طبعه، هل يعاب عليه ذلك؟
- فالصورة التي نعكسها عن سلوكياتنا في البلاد التي نسافر إليها ينبغي أن تكون صورة إيجابية. كلٌّ منّا سفير لبلده، وسفير لدينه، وسفير لمدرسة أهل البيت (ع).. وهذه السفارة ينبغي أن تعكس صورة إيجابية جذابة. ولنلاحظ الروايات التالية:
- عن الإمام الصادق (عليه السلام): (يا معشر الشيعة، إنّكم قد نُسبتم إلينا، كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً).
- عن الإمام الحسن العسكري (ع) أنه قال لشيعته: (أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (ص)، صلّوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحَسُن خلقه من الناس قيل: هذا شيعي، فيسرّني ذلك. اتقوا الله وكونوا زيناً، ولا تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حَسنٍ فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك).
- لاحظ مجموعة السلوكيات الاجتماعية التي ينبغي مراعاتها، بالإضافة إلى البُعد العبادي الديني، وارتباط ذلك بالعنوان الذي يحمله الإنسان: (قيل: هذا شيعي).. وفي هذا سرور لقادة هذه المدرسة العظيمة، بما يؤكد إيجابية هذا المنحى في السلوك.
- أبان بن تَغلِب الجَريري الكندي الكوفي، مفسّر وقاريء وفقيه وأديب ولغوي، أدرك ثلاثة من أئمة أهل البيت (ع)، وهم الإمام علي بن الحسين والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق (ع)، وله عدة مؤلفات، وبالإضافة أنه أخذ عن الأئمة، فقد أخذ عن بعض تابعي الصحابة.
- النجاشي في كتاب (الفهرست) بعدما ذَكر في ترجمة أبان أنه عظيم المنزلة من بين علماء مدرسة أهل البيت (ع)، روى أن الباقر (ع) قال له: (اجلس في مسجد المدينة) وكان أبان يعيش في الكوفة، ولكن يبدو أنه استقر لفترة في المدينة، ولعل ذلك في موسم عمرة أو حج (وافتِ الناس، فإنّي أُحب أن يُرى في شيعتي مثلُك).
- هذه الأمثلة من النصوص تؤكد أهمية النماذج العملية التي يقدّمها الناس من خلال سلوكياتهم بشكل عام، وخلال موسم السفر عند الاحتكاك بالمجتمعات الأخرى، لاسيما بلحاظ تشويه صورة المسلمين على مدى السنوات الماضية بسبب جرائم التكفيريين، مما يحمّلنا مسؤولية أكبر.
- قبل أيام، زارني معلم أمريكي وافد إلى الكويت، يريد إشهار إسلامه، وتم ذلك بحمد الله.. وعندما سألته: ما الذي دفعك للدخول في الإسلام؟ قال لي: لقد اطّلعت عن قرب على قيم الإسلام الأخلاقية والمبدئية.
- وقال: وجدت أنني مسلم منذ أن كنت في العاشرة من عمري، لأنّ كل ما ذُكر لي كان متطابقاً مع القيم والأخلاقيات التي أتبنّاها منذ طفولتي. هكذا هو تأثير القيم والمباديء عند أولي الألباب.
- فلنكن في سلوكياتنا عموماً، وعند سفرنا إلى الخارج على وجه الخصوص، نماذج إيجابية يفتخر بها الإسلام، كما كان يفتخر أئمتنا (ع) ببعض أصحابهم، وكما كانوا يتمنّون أن يفخروا بشيعتهم وأتباعهم حين يُنسبون إليهم، وأن ندرك أهمية وحساسية أن يُقال هذا مسلم، وهذا شيعي.. فإن لهذا العنوان قيمةً عليا، فلنحرص أن نكون خير ممثّلين لها.