خطبة الجمعة 5 رمضان 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: زوجي نكدي

- روى الشيخ الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: (أيُّما امرأة قالت لزوجها: ما رأيتُ قطُّ من وجهك خيراً فقد حبَط عملُها).
- عند الحديث عن النكد في الحياة الزوجية، فإن الكلام يدور عادة حول الزوجة النكدية.. والرواية السابقة تتناول واحدة من الصفات والسلوكيات النمطية لهذا النموذج من النساء.
- ولكن الإنصاف يقتضي أن نُعمِّم الأمر على الطرفين.. فالزوج قد يكون نكدياً تماماً كما أن الزوجة قد تكون كذلك.. والرواية التالية تحذّر الرجل من أن يتحوّل إلى زوج نكدي.
- روى الكليني عن رسول الله (ص) أنه قال: (أخبرني أخي جبرئيل، ولم يزل يوصيني بالنساء حتى ظننت أن لا يحل لزوجها أن يقول لها أف، يا محمد، اتقوا الله عز وجل في النساء، فإنهن عوان بين أيديكم) في أسركم وتحت سلطتكم (أخذتموهن على أمانات الله عز وجل لما استحللتم من فروجهن بكلمة الله وكتابه من فريضةِ وسنةِ وشريعةِ محمد بن عبد الله (ص)، فإنّ لهنّ عليكم حقاً واجباً لِما استحللتم من أجسامهن، وبما واصلتم من أبدانهن، ويحملن أولادكم في أحشائهن حتى أخذَهن الطلق من ذلك، فأشفِقوا عليهن، وطيِّبوا قلوبَهن حتى يقفن معكم، ولا تُكرهوا النساء، ولا تَسخطوا بهن، ولا تأخذوا مما أتيتموهن شيئاً إلا برضاهن وإذنهن).
- ثم إن صناعة النكد لا تقتصر على عمر معين، ولا على شريحة محددة، وإن برزت في كثير من الأحيان عند الأزواج الذين يتغيّر نمط حياتِهم فجأة.
- ففي حالة التقاعد من وظيفته مثلاً، يعاني الرجل من حالة من الفراغ، وتغيّر نمط الحياة، والرتابة، وقد تصحب ذلك حالة من فقدان الإحساس بالأمان الاجتماعي ومجهولية المستقبل بالنسبة إليه مع كبر السن، والخوف من مفاجآته التي قد لا يستطيع مواجهتها.
- وقد يكون المزاج النكدي ناشئاً عن سوء تربية في الطفولة، من خلال الكبت والاحتقار.. أو تأثّراً بالبيئة التي عاش فيها مع والديه مِن قَبل، فأخذ عنهما تجربتهما في الحياة الزوجية.
- أي أنها في كثير من الأحايين ليست متعمّدة، ولذا يجب التعامل معها بعيداً عن سوء الظن والاتهام بالتقصّد.
- والغريب في الأمر أن الإنسان النكدي يتفنن في أساليب التنكيد ويُبدِع فيها، مما يفتح له مجالاً واسعاً لكي يُشبع نهمه في هذا الإطار.
- يقال أن أحد الأزواح وبعد معاناته مع زوجته النكدية، هداه الله إلى فكرة عبقرية ظن أنها سوف تريحه قليلاً من النكد اليومى، فاقترح على زوجته أن يقتسم معها أيام الأسبوع، يوم نكد ويوم دون نكد، وبعد موافقة الزوجة على مضض طار الزوج فرحاً لنجاحه فى إتمام الاتفاق الذى بمقتضاه سيفوز بنصف عمره بلا نكد. ومن خلال القرعة صار أول يوم من نصيبها، فتفننت الزوجة فى كل أساليب وصنوف النكد على الزوج، وهو صابر، ولكن ما إن جاء اليوم التالي حتى وجد الزوجة تترنم مع نفسها «بكرة بكرة النكد بكرة»، وبذلك نكّدت عليه يوم إجازته من النكد أيضاً.
- ومع التأكيد على أنني لست في وارد الانتصار لهذا الطرف أو ذاك، إلا أن ندرة الكلام عن الزوج النكدي تستدعي مني أن أركّز على هذا النموذج من الأزواج.. وأهم صفاته والتي يشترك في كثير منها مع الزوجة النكدية، ومعرفة الصفات تعين على التشخيص ثم العلاج:
1. عابس كثير الصمت عند مجالسته لزوجته وأسرته، لا يتداول شؤون الحياة الزوجية ولا غير ذلك من القضايا، وإذا تحدّث افتعل المشكلات والخلافات.
2. ضيّق الصدر، وقابل للاشتعال غضباً لأتفه الأسباب، فهو يضخّم الأمور البسيطة، ويحوّلها إلى محور للنزاع والخصومة.
3. كثير التشكّي من الوضع المحيط به، لاسيما الوضع المحيط به في المنزل.
4. لا يعرف من الحياة الزوجية إلا الفراش، وبشكل يخلو من أية مشاعر، فهو بالنسبة إليه غرض جسدي بحت.
5. لا يمانع أن يحوّل لحظات السعادة التي تغمر البيت إلى أجواء من الغضب والصراخ والحزن والتعاسة.. فهو من جهة عاجز عن صُنع الوضع الذي يُرضيه، ويصعب عليه من جهة أخرى أن يرى مَن حوله سعداء، ولذا فهو سرعان ما يقلب الطاولة على الجميع.
6. يسترجع أحداث الماضي السلبية كوسيلة تنكيد مضمونة، فيذكّر زوجته أو أبناءه بإخفاقاتهم أو ببعض مواقفهم السابقة، بكلام مباشر، أو غير مباشر، وبالهمز واللمز.
7. سيء الظن.. فإذا تصرّف أحد الأطراف بما لا يروق له، اتّهمه بالتعمّد وأنه قصَده لشخصه.
- أستاذ علم النفس في جامعة دينفر الأميركية وخبير العلاقات الزوجية والصراعات الناجمة عنها (هوارد ماركمان) أجرى دراسة حول تأثير النكد على استمرار الحياة الزوجية، وشملت مئات من المشاركين من النساء والرجال، وتوصل من خلالها إلى أنّ الأزواج الذين يفقدون سعادتهم بعد خمسة أعوام على زواجهم يزداد لديهم التواصل السلبي (النكد) بنسبة 20 % أكثر من غيرهم.
- وقال ماركمان: (إنّ طرفي العلاقة غالباً ما يستخدمان النكد في وقت معيّن، مع ذلك، فإنّ الشركاء الذين يتنبّهون لذلك ويحاولون كبح جماح نكدهم المتبادل، يمكنهم أن يحافظوا على مسار علاقتهم، وحتى على الحبّ الذي بُنيت عليه العلاقة. أما من يسيطر النكد على علاقتهم، فمصيرهم الانفصال غالباً).
- ومن هنا فإن الطرف الذي يعاني من نكد الآخر (زوجاً كان أو زوجة) ويحرص على العلاقة القائمة بين الطرفين عليه أن يتعامل مع الطرف النكدي من خلال مجموعة من الإجراءات:
1. مدح الطرف النكدي، لأنه غالباً ما يعاني من الشعور بعدم الأمان، وعدم اهتمام الآخرين به، أو كثرة الانتقادات الموجهة إليه.
2. تجاهل الأزمات التي يفتعلها الطرف النكدي، والتي غالباً ما تكون دون سبب حقيقي، والاهتمام بالأبناء وبأمور أخرى تبعده عن الانجرار إلى ملعب الخصومة والنزاع.
3. استخدام أسلوب الحوار والتقارب مع الطرف النكدي في الأوقات المناسبة في إطار من المودة والحب لإذابة الخلافات والمشكلات المفتعلة والحفاظ على استقرار الأسرة واستمراريتها.
4. محاولة تحديد السبب الرئيس وراء الحالة النكدية.. فإنْ كان هو الفراغ مثلاً، سعى الطرف إلى توجيه النكدي إلى ما يشغل به وقته بشكل مفيد.
5. قلة العاطفة والرومانسية قد تكون من أسباب النكد الزوجي، وعلى الطرف الآخر البحث عن الوسائل التي من خلالها يمكن إنعاش هذا الجانب من الحياة الزوجية وابتكار الأساليب الكفيلة بتغيير المزاج الرومانسي لديه.
- إن الحياة الزوجية بحاجة إلى أجواء الانسجام والراحة النفسية والطمأنينة، ومن هنا نجد أن الله (سبحانه) يبيّن أن قوام الحياة الزوجية هو السكن والمودة والرحمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، والنكد الذي قد يصدر عن الزوج أو الزوجة يعدّ حالة مرضية بحاجة إلى تشخيص ومبادرة إلى العلاج قبل أن يستفحل المرض ويصعب الحل. وشهر رمضان بكل أجواء الرحمة فيه فرصة مناسبة لكي يعيد الأزواج النكديون حساباتِهم، ويراجعوا أنفسَهم دون مكابرة، متذكرين وصية النبي (ص) في استقبال الشهر الفضيل حيث قال: (أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ، كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ). فليكن هذا الشهر المبارك منطلقاً للتغيير الاجتماعي في حياتنا إلى الأحسن كما نسعى أن نغيّر أوضاعنا الفردية فيه إلى الأحسن.