خطبة الجمعة 28 شعبان 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: ألم تُملأ الأرض جوراً؟ 2


- تحدثت في الأسبوع الماضي عن العوامل التي يمكن أن يكون لها مدخلية في ظهور الإمام المهدي (ع)، وأن المسألة لا تنحصر في توافر القادة الثلاثمائة والثلاثة عشر.
- وقد أثار بعض الأعزاء بعض الملاحظات المفيدة والاعتراضات النقدية في هذا الباب، وهي حالة صحية في إطار طرح أي موضوع فكري، وأنا لهم من الشاكرين، وسأحاول أن أوضّح وأؤكد على بعض النقاط مما قد يساهم في معالجة الملاحظات وموارد النقد المطروحة.
- الملاحظة الأولى: الخطاب من شأنه أن يزرع اليأس في النفوس، لأنني قلت أن من وجهة نظري الظروف إلى الآن غير مهيأة لظهور الإمام، لأنه يجب أن يكون هناك انهيار قيمي واقتصادي وسياسي وأمني في العالم كي تتحقق الأرضية المناسبة لقبول أطروحة الإمام ودولته.
- وهذا اليأس - بدوره - يؤدي إلى التوقف عن العمل في إطار التمهيد لظهور الإمام (ع).
- والجواب عن ذلك يكون في نقاط:
1. مع تأكيدي مجدداً على الفكرة التي طرحتها، إلا أنني لم أستهدف من خطابي أن أزرع اليأس في النفوس المنتظرة لظهور الإمام (ع)، وهو ما سيتضح في النقطة التالية.
2. هناك خلل في بعض الخطابات الدينية المتعلقة بالإمام المهدي (ع) يجب أن نعالجه، وقد ذكرته في خطب سابقة، ولكن أكرر المسألة للتذكير ولارتباطها بالإشكال.
- والخلل عبارة عن ربط تحمّلنا للمسئولية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتبليغ والدعوة إلى الله ومواجهة الفساد والإصلاح، بقرب ظهور الإمام (ع)، وكأنّ أحدَنا لو تيقّن 100% أنه لن يعيش حتى الظهور فسيتخلّى عن تحمّل تلك المسئوليات.
- هذا النموذج من التفكير هو الذي يُتوقّع منه أن يدفع لليأس عند سماع مثل الرأي الذي طرحته في الأسبوع الماضي، لأنه يربط بين العمل وبين قرب ظهور الإمام، فإن تبيّن له بنحوٍ ما خطأ ذلك، يئس وتقاعس.. مع تأكيدي على أن أحداً لا يملك الخبر اليقين لا سلباً ولا إيجاباً.
- ما كنت، ولا زلت، أؤكد عليه في خطبي أن علينا أن نقوم بمسئولياتنا الرسالية ولو تيقنا أن هذا العصر ليس عصر الظهور، وأن يكون عملنا بنفس الحماسة التي لو تيقنا فيها أن الظهور قريب.
- فلربما أزرع ليحصد الجيل القادم، أو الجيل الذي سيأتي بعد ألف سنة.. لا مشكلة عندي.. وليس من حقنا أن ننتظر أن تتهيأ أرضية الظهور ثم نعمل.
- المهم في المسألة أيها الأعزة أن أحدنا إذا أوقفه الله عز وجل للمحاسبة في الآخرة، استطاع حينها أن يُقدِّم رصيده مِن العمل في هذا الطريق، سواء أ كان في العصر القريب للظهور أو البعيد عنه.. هذا هو المهم، وهكذا يجب أن تكون همّتُنا على طول الخط.
3. وعليه فأنا في نهاية خطبتي السابقة أكّدت على ضرورة أن نعمل بجِد من أجل أن نقدم صورةً نظرية وعملية عن دولة الإمام (ع) وعدله، أي أن نسوّق لمشروع الإمام في العالم وبالأسلوب والمضمون الصحيح كي نمهّد الأرضية المناسبة لقبول مشروعه.. وأين هذا من الدعوة للتقاعس؟
- الملاحظة الثانية: فهم البعض من كلامي أن لا ظلم في العالم اليوم، وفي المقابل استنتج البعض دعوتي ضمنياً للعمل على نشر الظلم كي نُسرِّع في ظهور الإمام.. والجواب في نقاط:
1. أنا ذكرت أن هناك ظلماً في العالم، ولكن – بقناعتي – أن الظلم والجور اليوم ليس بمستوى ما تحدَّثَت عنه روايات الظهور، فهي تتحدث عن امتلاء الأرض بالظلم، كل الأرض، لا بقعة جغرافية محددة كالشرق الأوسط مثلاً، بل أن يضج العالم من ذلك، ويبحثون عن البديل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني والأخلاقي الذي يخلّصهم من ذلك الظلم والجور.
2. لم أكن في أي يوم من دعاة نشر الظلم والفساد لتعجيل الفرج! وقد تحدثت في خطبة الجمعة قبل ثلاث سنوات تحت عنوان (الفهم المغلوط لانتظار الفرج) وقبل سنتين تحت عنوان (الانتظار السلبي) وفي خطب أخرى عن انحراف مثل هذا الطرح، فكيف أكون من دعاته؟ وأكّدت في تلك الخطب أن أوامر الله عز وجل ونواهيه لا تُعطَّل في أي عصر، لا لتعجيل الظهور ولا لغير ذلك.
3. الانهيار الذي تحدثتُ عنه قد يحدث في غضون أشهر وقد يحدث في غضون سنوات وقد يحدث بعد ألف سنة.. أنا لست مسؤولاً عن تحقيق ذلك، ولن أعمل على نشر الظلم والفساد كي ينهار كل هذا.. هذا فهم أعوج لمسألة الانتظار.
- الملاحظة الثالثة: العدالة الاجتماعية والالتزام بالقوانين والنظام القائم في الغرب إنّما يخبيء وراءه وجهاً قبيحاً ظالماً فاسداً مجرماً، وهو يستفيد من كل العناوين السابقة ويعمل على تحقيقها من أجل مصالحه الجائرة.
- ومن هنا فإنه لو جاءت اللحظة التي تتعارض فيها غايته ومصلحته الحقيقية مع تلك المباديء والقيم فإنه لن يتوانى عن القفز عليها، لأن جشعه وغاياته الحقيقية فوق أي اعتبار.
- ولعل أقرب شاهد على ذلك كيفية تعامل الحكومة الفرنسية مع حركة ذوي السترات الصفراء، وكيفية تعامل الغرب مع وضع اليمن وأفغانستان وفلسطين وسورية وغيرها.
- وبرأيي أنه سواء اتفقنا حول هذه الملاحظة أم اختلفنا بشأنها، ما هي قراءتنا للواقع الذي يعيشه عامة الناس هناك؟ كيف يقيّمون تجربتهم المحلية من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية؟ وهل هم في حالة من البحث عن البديل؟
- ولو افترضنا أن بعض مجتمعاتهم بلغَت مرتبة عالية من القناعة بعدم صلاحية أنظمتهم، فهل يجدون في النموذج الإسلامي الذي نقدِّمه البديل والأمل في النجاة والخلاص؟
- أتمنّى أن نتعامل مع القضية المهدوية - في موقع المسئولية - بالعقل والمنطق لا بالعاطفة والأمنيات، وأن ننظر إلى مسألة التمهيد للظهور كمسئولية رسالية لا ترتبط بالزمن القريب لتحقِّق الفرج.. فمهما افترضنا بُعْدَ ذلك عنا، إلا أنّ علينا أن نعمل بكل جِد وحماسة وكأن الظهور سيتحقق في الغد، ومَن ذا الذي يَملك عِلماً بالغيب ليؤكِّد قُربَ ذلك أو بُعدَه؟ اللهم عجل فرجه، وسهِّل مخرجه، واجعلنا من أنصاره وأعوانه.