خطبة الجمعة 14 شعبان 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: الإمام المهدي وصراع الحضارات

- صراعُ الحضارات، أو (صدامُ الحضارات وإعادةُ تشكيلِ النظامِ العالمي) لأستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد لمدة 58 سنة، (صامويل هنتنغتون - ت2008)، عبارة عن كتاب صدر في تسعينيات القرن العشرين، ويتحدّث عن الصراعات التي نشأت وستنشأ بعد انتهاء الحرب الباردة التي قامت بين المعسكرين الغربي والشرقي.
- وقد كان للكتاب صدىً كبير بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وما أعقبها من حروب، واعتبر البعض أن ما جرى بداية لتحقق (نبوءة) هنتنغتون، بينما ووجهت أطروحته بالعديد من صور النقد من داخل المجتمعات الغربية، وخارجها.
- ثم خبا بريقُ هذا الكتاب تدريجياً مع تبدّل الإدارة الأمريكية بعد الرئيس جورج بوش الابن، إلا أن السياسات والمواقف والقرارات والتصريحات التي تطلقها الإدارة الأمريكية الحالية أعادت إلى الواجهة الحديث عن هذا الكتاب من جديد بعد أن كاد أن ينساه الناس.
- وقصة تأليف الكتاب أنه في عام 1993، نشر (هنتنغتون) مقالة بعنوان (صراع الحضارات) في مجلة (فورين آفيرز)، جاءت كرد على أطروحة تلميذه (فرانسيس فوكوياما) المعنونة بـ (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) والتي تحدّث فيها الأخير عن أن نهاية الحرب الباردة ستَفتح الباب لتطبيق الديمقراطية الليبرالية على غالبية الأنظمة حول العالم.
- هنتنغتون من جانبه اعتبرها نظرة قاصرة، وتحدّث عن صراعات وحروب من نوع جديد سيشهدها العالم، تقع بين الحضارات والثقافات.. لا الدول. ثم توسع هنتنغتون في مقالته وأل!ف الكتاب الذي ذكرت عنوانه في بداية حديثي.
- والحضارات التي تحدث عنها كالتالي: (الحضارة الغربية – حضارة أمريكا اللاتينية - الحضارة الشرقية الجامعة للهندوسية والبوذية والصينية واليابانية - الحضارة الإسلامية - الحضارة الأرثوذكسية - حضارة جنوب الصحراء الأفريقية).
- في هذا الكتاب، اعتبر هنتنغتون أن الإسلام يختزن العنف في داخله، وأن حروب المسلمين خلال التاريخ غير مبرّرة، ومُنطلِقة – إجمالاً - من خلال تعاليم الإسلام العنيفة.
- وانبرى المفكرون والعلماء والمثقفون المسلمون للتصدّي لأطروحته بصور مختلفة، لاسيما فيما يخص الصورة المشوهة التي قدّمها عن الإسلام، وارتباطه بالعنف والحروب.
- وهذا يدفعنا بالتبع إلى ضرورة أن ننتبه إلى طريقة عرضنا للقضية المهدوية.
- ففي حين أننا نجعل واجهة القضية مضمون الحديث النبوي (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما) أو كما (مُلأت ظلماً وجوراً) إلا أننا في نفس الوقت نناقض أنفسنا في أحيان كثيرة، ونقدّم صورة مخالفة لهذا العنوان الذي لا تختلف عليه البشرية، وتنجذب إليها النفوس، وذلك من خلال التركيز على روايات الحروب والقتل الجماعي والتي تتضمّن تفاصيل يستحيل أن نقبلها لبشاعتها ومخالفتها للعقل، ولطبيعة الرسالية التي آمنّا بها.
- ومثال ذلك ما روي عن أبي الجارود في حديث طويل قال: (عن أبي جعفر(ع) قال: سألتُه متى يقومُ قائمُكم؟ قال: ......... يقوم قائمُنا بالحقّ بعدَ إياسٍ مِن الشيعة، يدعو الناسَ ثلاثاً فلا يُجيبُه أحد.... ثم يُبايعه مِن الناس ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، يسير إلى المدينة فيسير الناس حتى يرضى الله عزّ وجل، فيقتل ألفاً وخمسمائة قرشي، ليس فيهم إلا فَرْخُ زنية. ثم يدخل المسجد فينقُض الحائط) أي حائط الحجرة النبوية الشريفة حيث مدفن النبي (ص) (حتى يضعَه إلى الأرض.....) ثم تتحدث الرواية عن إحيائه لبعض الموتى لمحاسبتهم ومعاقبتهم (فيرتاب عند ذلك المبطلون، فيقولون: يُكلِّم الموتى! فيقتل منهم خمسمائة مرتاب في جوف المسجد، ثم يحرقهما...... ويسير إلى الكوفة فيَخرج منها ستة عشر ألفاً من البترية) صنف من الزيدية أو الشيعة عموماً (شاكّين في السلاح، قُرّاءُ القرآن، فقهاءُ في الدين، قد قَرّحوا جباهَهم، وسمّروا ساماتهم) من المحتمل أن في الكلمة تصحيف والمراد بها الجبهة (وعمّهم النفاق، وكلهم يقولون: بابن فاطمة، ارجع، لا حاجة لنا فيك، فيضع السيفَ فيهم على ظهر النجف عشيّةَ الإثنين، مِن العصر إلى العشاء فيقتلهم أسرعَ مِن جَزْر جَزور) أي أسرع من الوقت الذي يستغرقه نحر جمل (فلا يفوتُ منهم رجل) أي يقتل الستة عشر ألفاً بأجمعهم (ولا يُصاب مِن أصحابه أحدٌ، دماؤهم قربان إلى الله) لاحظ اللغة الانتقامية (ثم يدخل الكوفة فيقتل مُقاتليها حتى يَرضى الله....).. بالله عليكم ما الفرق بين هذه الصورة وبين داعش وأخواتها؟
- هذه الرواية نموذج من روايات عديدة لا همّ لها سوى تقديم صورٍ من العنف والقتل الجماعي والحرق واستحكام الروح الانتقامية المعقّدة، التي نربأ بإمامِ هدىً، وسليل نبي الرحمة، والقائم على رسالة الإسلام في زمانه، والمقيم للعدل الأشمل أن يكون على هيئتها.
- وهذا كله يستدعي منّا الحذر عند تناول وتناقل مثل هذه المرويات التي لا نشك في أنها موضوعة ومحرّفة.
- بالطبع، فإنّ مَن قرأ التاريخ الإسلامي، والأحاديث المهدوية، بِعَيْن التدبّر والتحقيق، يستطيع أن يكتشف أنّ أطرافاً متعدّدة وظّفت القضيّة المهدويّة عبر التاريخ لمصالح سياسية أو مذهبية خاصة، أو ضمن صراعات معينة، أو وفق إسقاطات مقصودة، مضافاً إلى كثرة ادّعاء المهدوية ذاتِها مِن قِبل قيادات دينية أو سياسية أو عسكرية. وكان وضعُ الحديث والزجُّ بأسماءِ بعض الشخصيات مِن الأدوات التي يستخدمها هؤلاء، فيمزجونها مع لغة العنف والترهيب والقتل الجماعي المتوافقة مع شعار داعش وأخواتها: (جئتُكم بالذبح)، تحقيقاً لتلك الأهداف، وهي في غالبيتها نتاج النفوس المعقّدة وذات الدوافع الشيطانية التي وجَدت في القضية المهدوية أداةً مِن أدوات التأثيرِ على الناس، أو تصفيةِ الحسابات، أو التحريضِ على بعض الأطراف، أو تشويهِ صورةِ القضية المهدوية التي لا همّ لها في المقام الأول وفي رسالتها سوى إرساءِ العدالةِ على الأرض.. فأين هي العدالة في تلك الصورة المشوّهة؟ إن تلك الروايات لا تبتعد عن أطروحة هنتنغتون حول صراع الحضارات، والتي طالما انتقدناها كمسلمين لا سيما في خصوص اتهامه الإسلام بأنه يحمل بذور العنف في داخله.. وعليه فنحن أمام خيارين، إما التصديق بمقالته والكف عن الدفاع عن الإسلام فيما يخصّ اتهامه بالعنف وسعيه لخلق صراع بين الإسلام وسائر الحضارات، وإما بإعلان رفض تلك المرويات الدخيلة التي لا تنسجم في حقيقتها مع روحِ الإسلامِ وتعاليمِه، لنُخلِّص الروايات المهدوية مما عَلُقَ بها مِن أباطيل.