خطبة الجمعة 22 رجب 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: جينالوجيا الفضيحة الصهيونية

- تحدثت ذات مرة وتحت عنوان (هل لليهود حق تاريخي في فلسطين؟) عن مدى شرعية مطالبة اليهود بالأراضي الفلسطينية، وقلت آنذاك أننا إذا التزمنا هذه الدعوى من الناحية التاريخية البحتة، أو العلمانية إن صح التعبير، أي بعيداً عن النصوص الدينية، فالمطالبة باطلة، لأن الكنعانيين وغيرهم كانوا أسبق من بني إسرائيل وجوداً في هذه الأراضي وبعشرات القرون.
- وإن كانت مطالبتُهم وفق الدعوى الدينية بأن الله ملّكهم هذه الأرض، فقد بيّنتُ بالحُجج، ومِن كتبِهم الدينية أن ذلك العطاء الإلهي لم يكن بعنوان الذرية، ليكون مُلكاً عائلياً يُتوارث عبر الزمن، بل كان عطاءً بالعنوان الرسالي، ليُقيموا دينَ الله. ومتى ما تخلّوا عن ذلك، لم يستحقوا هذه الوراثة على الأرض.. وبذا تسقط دعواهم وفق القراءة الدينية أيضاً.
- وهناك مسار آخر لإبطال دعوى الصهاينة بحقّهم في إقامة دولةٍ على الأراضي الفلسطينية بعنوان أنها دولة يهودية.. ظهرت معطيات هذا المسار حديثاً جداً، والكيان الصهيوني يتعامل معه بحذر شديد، ويسعى أن يغلق في وجهه الأبواب، لأنه يمثّل فضيحة كبرى، ويُسقط عن المشاريع الاحتلالية المشروعيةَ التي يروّج لها.. وبصورةٍ مدوّية.
- علم الوراثة المرتبط بدراسة الجينات يُعدُّ من العلوم الحديثة، واستطاع بطريقة علمية دقيقة أن يكشف الخريطة الجينية للبشر.. فكما أن لكل إنسان بصمة خاصة به محفورة على أصابعه، كذلك فإن لكل فرد منا بصمة جينية وراثية خاصة به.
- هذه البصمة الوراثية تختزن فيها أيضاً مشتركات الفرد مع آبائه وأجداده على مدى مئات القرون، ومن خلال ذلك بات هذا العلم الدقيق جداً قادراً على إثبات نسب ولد لأبيه أو نفي ذلك.
- ومن خلال نتائج الفحوصات المتراكمة، تم تقسيم الناس على 20 مجموعة فردانية رئيسة Haplogroup، وتتفرع منها مجموعات أصغر وأصغر، تماماً تُرسَم شجرة العائلة.
- وقد تفرّع عن ذلك مؤخّراً علم يحمل اسم (جينولوجيا الحمض النووي) أي علم الأنساب الجيني، وهو علم يُعنى بتحديد العلاقات النسبية والقرابات وأنواع المجاميع الجينية التي ينقسم إليها الناس.
- يستطيع هذا العلم أن يكشف عن وجود روابط قرابة بين شخصين عاشا في أزمنة متباعدة بقدَر آلاف السنين، وأن يُقدّر بشكل تقريبي الزمن الفاصل بينهما، مع نسبة خطأ بسيطة، وأن يحدد وجود نسب – ولو بعيد - بين شخصين متزامنين، وإن لم يوجد أي شيء يوحي بالقرابة بينهما.
- مؤسس علم (جينولوجيا الحمض النووي) البروفسور (أناتولي كليوسوف) الأمريكي السوفييتي الأصل أطلق تصريحاً مهماً مفاده أن (إسرائيل) تمنع دراسة هذا العلم، لأنه يصطدم مع المؤسسات التي تدعو لعودة اليهود لفلسطين، ويفنّد هذه العلاقة التي تروّج لها الصهيونية.
- وأشار كليوسوف إلى أن أبحاث هذا العلم تضر بالرواية الخاصة بـ "إسرائيل"، وما يثبته هذا العلم يخالف التصورات التي حاولت الصهيونية ترسيخها عن نقاء الشعب اليهودي، لأن هذا
العلم يُثبت أن اليهود خليط من الأجناس والقوميات، وليسوا فقط بني إسرائيل.
- وقال أيضاً في كتابٍ صدر له أنّ مِن بين 399 يهودياً أُجريت عليهم اختبارات الحمض النووي تبيّن أن 92 فقط يمكن أن يكونوا من ذرية النبي إبراهيم (عليه السلام)، والباقون الذين يبلغ عددهم 307 أفراد ينتمون إلى مجاميع فردانية لا علاقة لها به.
- والطريف أنه ذكر أن رئيس الوزارء الصهيوني الحالي بنيامين نتنياهو – بالدليل الجيني – من سلالة جينية (مجموعة فردانية) أوروبية، وهي R1a، ولا علاقة مطلقاً لهذه السلالة بالمجموعة الفردانية المفتَرضة لذرية النبي يعقوب (عليه السلام).
- هذه الحقيقة العلمية تُعرّي مزاعم دولة الكيان الصهيوني وتدحض كلَّ ادعاءاتهم حول حقّهم في تأسيس كيانهم، وفي مبرِّرات توسعة المستوطنات على الضفة الغربية المحتلة.
- لقد قام الكيان الصهيوني على أساس أن اليهود المنتشرين في الكرة الأرضية والذين يراد إعادة توطينهم في فلسطين هم بنو إسرائيل.. أي ذرية يعقوب حفيد الخليل إبراهيم (عليهما السلام).. وبحسب تعبيرهم: بناءً على حقهم التاريخي والديني بهذه الأراضي، وأنهم كانوا يسكنون هذه الأراضي قبل آلاف السنين وشُرّدوا منها.. وعلم جينالوجيا الحمض النووي بمعطياته الدقيقة، ومن خلال تجارب وتطبيقات كثيرة توصّل إلى بطلان هذا الادّعاء الواهي، ليكون ذلك دليلاً آخر على زيف ادّعاءاتهم التي بنوا على أساسها دولتهم الغاصبة. ومما يبعث على الغضب فوق هذا وذاك قرار الإدارة الأمريكية الأخير القاضي بالاعتراف بالجولان المحتل أرضاً إسرائيلية، مستهينةً وضاربةً بعرضِ الجِدار كلَّ القرارات الدولية، بل والإجماع الدولي القائم على أن الجولانَ أرضٌ سوريةٌ محتلّة. هذا القرار الظالم، والذي سبقه قرار الاعتراف بالقدس كاملةً عاصمةً لإسرائيل، لن يعود بالخير على المنطقة، ولن يخدم إلا الأطماع الصهيونية التي لا تقف عند حدود الأراضي الفلسطينية، وليتذكّر العربُ والمسلمون أنّ خَطّي العلَم الإسرائيلي إنما يَرمُزان إلى نهري النيل والفرات، وأنّ ما بينهما – بحسب مزاعم الصهاينة - أرضَ الميعاد التي لن يتوانوا عن فِعل أي شيء لتحقيق حُلُمِهم المشؤوم عليها.