خطبة الجمعة 15 رجب 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: تصريف الأخلاق


- في الخطبة برقم 176 من نهج البلاغة أن علياً(ع) قال: (ثُمَّ إِيَّاكُمْ وَتَهْزِيعَ الْأَخْلَاقِ وَتَصْرِيفَهَا، وَاجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً) التهزيع هو التكسير والتحطيم إلى أجزاء.. ولذا فإن من أسماء الأسد (الهزّاع)، لأنه يكسّر عظام فريسته ويحطّمها بأنيابه وقبضته.. والتصريف هو التغيير والتبديل.
- وحيث ربط الإمام (ع) هذا بالأخلاق، فإنه يمكن تصوّر ذلك على ثلاثة أنحاء.
- النحو الأول: أن يلتزم بالمباديء الأخلاقية مع فئة من الناس فقط.. الصدق.. الأمانة.. العدل.. وأمثالها لا تحضر في سلوكياته إلا مع أتباع دينه.. أو مع أتباع مذهبه.. أو مع أبناء قبيلته.. أو مع ذوي الشأن أو مع طبقة معينة.. بينما تغيب هذه الأخلاقيات متى ما تعامل مع غيرهم.
- الإمام يحذّر من مثل هذا السلوك المعيب.. فالأخلاق لا تتجزأ.. الذي لا يكذب على المسلمين لا يكذب على غيرهم.. والذي يكون أميناً مع أتباع مذهبه لا يخون غيرهم.. والذي لا يغشّ أبناء قبيلته لا يغشّ سواهم.. والذي لا يسيء إلى أعراض ذوي الشأن لا يسيء إلى أعراض غيرهم.
- النحو الثاني: أن تتبدّل أخلاقياته بحسب الظروف، فإذا كان في حال الرضا كان راقياً في سلوكه الأخلاقي، وإن كان غاضباً أطلق لسانه للشتائم والبهتان وقبيح الكلام.
- ولربما تكون الحالة عند البعض معكوسة، فهو تحت الضغط، كضغط المرض أو الحاجة المادية وأمثال ذلك، يلين ويُصبح مُؤدّباً مُهذّباً، لأنه يشعر بالضعف والخوف من ردّة فعل الآخرين التي لا يستطيع أن يتحملها أو أن يواجهها.
- أو يتغيّر إلى الأفضل لأنه يشعر بأن وضعه هذا عقوبة إلهية، فيخاف أن تشتد وتزداد.
- أو لأنه مكسور الحال يشعر بالضعف والحاجة، فينحني أمام العاصفة، ويتأدّب بأدب الله، أملاً في أن تتدخّل يدُ العناية الإلهية لتَنتشلَه مما هو فيه من الضعف والهوان والحاجة.
- ولكن بمجرد أن تعود إليه قوتُه، يَستعلي ويَطغى ويَعود إلى سيرته الأولى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) [الأعلى:6-7].
- النحو الثالث: يتمثّل في النموذج الذي يتمسّك بالأخلاق أمام معارفه أو مَن يريد أن يحقّق مصالحَه من خلالهم رياءً.. فإذا غاب عن أعينهم انحطّ إلى أدنى مستوى.
- وخلاصة القول أن الأخلاق بالنسبة إلى مثل هذه النماذج من الناس ليست حقيقة متجسّدة في فكرهم ومشاعرهم وسلوكياتهم، بل هي بمثابة قطع من الثياب التي يرتدونها فيتجمّلون بها متى شاءوا، ويضعونها جانباً متى ما حلا لهم ذلك.. إنها مجرّد قطع من الكماليات الزائفة، لا تَصدر عن قناعة، ولا تَتجلّى عن شعور صادق.. فلنحذر أن نكون من المتلوّنين أخلاقياً، أو من الذي يجعلون من الأخلاق وسيلة لبلوغ غاية زائلة، أو من الذي يراؤون في أخلاقهم.. فهذه ليست سوى أخلاق المنافقين.. وأما المؤمنون فهم الذين عَرَفوا الأخلاق ديناً وفِطرةً وحياة.