خطبة الجمعة 1 رجب 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: زوجتك نفسي


- عن الإمام الباقر (ع): (إن الله عز وجل يُبغِضُ كلَّ مِطلاقٍ ذَوّاق) أي كثير التطليق وبلا مبرِّر، بل على أساس المزاج الشخصي والرغبة في التغيير، وكأنه يتعامل مع سيارة من مقتنياته، بمجرّد أن يملّ منها بعد استعمال سنة أو سنتين يتوجّه إلى الوكيل لاقتناء سيارة أخرى جديدة أو مستعملة.
- عقد الزواج مبني في الشريعة الإسلامية على إيجاب من المرأة وقبول من الرجل، فهي التي تُقدِم ويَصدر عنها التزويج حيث تقول: (زوّجتُكَ نفسي....) أو تُعطي وكالة لشخصٍ ما قد يكون الأب أو غيره ليقوم بهذا الدور فيقول: (زوجتك موكّلتي .....)، بينما يقوم الرجل بالقبول تعبيراً عن رضاه وقبوله بما عُرض عليه فيقول: (قبلت التزويج .....)، أو يُعطي وكالة لمن يقوم بذلك.
- لابد أن تلتفت المرأة قبل أن تُقدِم على هذا الأمر أنها تُضمِّن عرضَ التزويج هذا صلاحيةً لذلك الرجل المتوقَّع أن يُعلن قبوله التزويج، فإذا قبل امتلك تلك الصلاحية المُعطاة من قبلها وباختيارها.
- هذه الصلاحية هي صلاحية (الطلاق) متى شاء، ولو مِن دون سبب.. وكذلك صلاحية عدم
الطلاق واستمرار حالة الزوجية، ولو شاءت هي إنهاء الحالة الزوجية وأصرّت عليه.. بل وحتى لو صدر عن الزوج ما قد يستدعي إنهاء العلاقة بينهما فإنه يبقى – مبدئياً - صاحب القرار في ذلك.
- فلو لم يُنفق عليها، أو كان يُلحق بها الأذى، أو يتعسّف في معاملتها، فسيبقى – مبدئياً - حق الطلاق بيده، وذلك بمؤدّى مضمون عقد الزواج الذي تم بينهما وبإرادتها الكاملة.
- طبعاً هناك توجيهات أخلاقية، وتحذيرات، بل وتهديدات ضمنية في القرآن الكريم وفي الأحاديث الشريفة بعدم إساءة الرجل استغلال هذه الصلاحية، لأن الله بالمرصاد وهو بكل شيء عليم، ولا يرضى بالظلم، ويعاقب عليه، إن عاجلاً وإن آجلاً.
- مثال ذلك ما جاء في قوله تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:229].
- وقوله تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ
تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:231].
- وفي آية أخرى يقول: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235].
- وفي الآية 237: (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
- وبعد أن يبيّن بعض الأحكام في سورة الطلاق يقول تعالى: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق:1].
- وفي الحديث النبوي: (استوصوا بالنساء خيراً؛ فإنهن عوانٌ عندكم) أي المرأة أسيرة ورهينة هذه الصلاحية التي أعطتها للرجل ضمن عقد الزواج (أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) وفي هذا تنبيه ضمني إلى أنّ مَن يعبث بهذه الصلاحية إنما يجعل الله له خصيماً.
- ضمن هذا الوضع، ومن الناحية الشرعية، لا يمكن تجاوز هذه الصلاحية المعطاة للزوج من قبل المرأة واختراقها إلا مِن قِبل الحاكم الشرعي (المجتهد العادل).. متى؟ وكيف؟ وهل مِن بديل؟ هذا ما سأتناوله في الخطبة الثانية بإذن الله تعالى.