خطبة الجمعة 3 جمادى الآخرة 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: من أدعية الزهراء (ع) - القسم الرابع


- ما زلنا مع دعاء مولاتنا فاطمة الزهراء (ع)، وأوّله: (اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي...).
- في مقطع لاحق من الدعاء تقول (ع): (اللَّهُمَّ ذَلِّل نَفسِي فِي نَفسِي، وَعَظِّم شَأنَكَ في نَفسي، وأَلهِمْنِي طاعَتَك، وَالعَمَلَ بِما يُرضِيكَ، والتجنُّبَ لما يُسخِطُك يا أرحَمَ الرَّاحِمِين).
- الغرور، والكِبر، والعُجُب، والاستعلاء على الخلق، كلها صفات سلبية تُدمِّر الحالة الإيمانية بما قد يدفع الإنسان إلى التمرّد على الله، والاستعلاء على أوامره ونواهيه وشريعته؛ وتسلبه تقوى الروح، وتُحبط العمل... كما تُدمِّر العلاقات الاجتماعية في ما بين الناس.
-ومن هنا حذّر علي(ع) بشدّة من الإصابة بهذا الداء مشبِّهاً له بالوباء الشيطاني الذي يحرص إبليس أن ينشره بين عباد الله: (فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ وَسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ وَنَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ، وَادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وَخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ..... فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ عَدُوَّ اللَّهِ أَنْ يُعْدِيَكُمْ بِدَائِهِ وَأَنْ يَسْتَفِزَّكُمْ بِنِدَائِهِ وَأَنْ يُجْلِبَ عَلَيْكُمْ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ).
- والبعض قد لا يعيش الكِبر والغرور والعجب والاستعلاء، ولكن منشأ ذلك لا ينطلق من خلال تربية النفس على ذلّ العبودية لله، والتواضع مع خلقه، بل من خلال عوامل خارجية ضاغطة تجعله يشعر بالمهانة والاحتقار، بسبب قهرٍ صادرٍ عن شخص ظالم، أو لسوء تربية، أو لظروف اجتماعية، أو للإصابة بعاهة شديدة يشعر معها بالدونية، وأمثال ذلك.
- وفي المقابل، هناك من يتظاهر بذلّ العبودية والتواضع مع الناس، ويُخفي بداخله نفساً خبيثة، فيصطاد بهذا الظاهر ضحاياه، ليسلبَهم شيئاً مِن عقولهم فيتّبعوه، أو أموالَهم فيعطوه، أو مواقفهَم فيُعينوه.
- ومن هنا سألَت مولاتنا الزهراء (ع) في خواتيم دعائها أن يكون ذل العبودية لله، وتواضع الروح والجوارح مع الناس، طوعياً ناشئاً عن تربية النفس، والترقّي في مدارج الأخلاق والسلوك، لا من خلال تلك العوامل الضاغطة الخارجة عن الإرادة، والتي تجعل من الشعور بالذل حالة
سلبية، ولا من خلال حالة قشرية زائفة تكون شَرَكاً لاصطياد بسطاء الناس: (اللَّهُمَّ ذَلِّل نَفسِي فِي نَفسِي).
- وفي مقابل هذا الشعور بالذل أمام الله، والتواضع مع الناس، يُملأ فراغُ الحاجة إلى العظمة بالإحساس بعظمة الله: (وَعَظِّم شَأنَكَ في نَفسي) ليكون ذلك دافعاً للاستقامة في طاعة الله وتحقيقاً للعبودية الصادقة: (وأَلهِمْنِي طاعَتَك، وَالعَمَلَ بِما يُرضِيكَ، والتجنُّبَ لما يُسخِطُك يا أرحَمَ الرَّاحِمِين).