خطبة الجمعة 26 جمادى الأولى 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الثانية: فقدان الثقة بالإسلاميين


- (فقدان الثقة بالتجربة الإسلامية).. قد لا يكون هذا العنوانُ دقيقاً، ولربما عُبِّر عن الموضوع بـ (فقدان الثقة بالإسلاميين) أو بـ (فقدان الثقة بالحالة الإسلامية) وأمثال ذلك، وقد يُشكَل على المصطلح.. ولكن أتصور أنّ الفكرة واضحة، والإشكال قائم وحقيقي وليس مجرد افتراض.
- وعندما أقول التجربة أو الحالة الإسلامية فلا أعني فقط الحركات الإسلامية السنّية والشيعية، بل عموم الناشطين في مجال ربط الناس بالدين، من علماء رساليين وأفراد وجماعات وأحزاب.
- الشريحة الأكبر - وليست الوحيدة - المستهدَفة في هذا الموضوع والتي تطرح الإشكال بقوّة هي شريحة الشباب.. مواليد التسعينيات من القرن العشرين - أو قبل ذلك بقليل - وما بعد.
- هذه الشريحة فتحت عينيها على طالبان والقاعدة وكل الفظاعات التي ارتُكبت في أفغانستان وخارجها بحق المسلمين وغيرهم.. ثم داعش وأخواتها.

- ثم جاءت تجربة الحكم على يد الإسلاميين في العراق ثم دول الربيع العربي في مصر وليبيا وغيرهما، وقد تراوحت ما بين الفشل، وسوء الإدارة، والانقسام، والتصارع على المكاسب والمواقع، والسقوط الأخلاقي، وغير ذلك.
- والدوائر المخابراتية والدول والجهات والأحزاب المعادية للحالة الإسلامية ليست بريئة من كل هذا، فقد ساهمت في خلق الصراعات وتضخيمها وإفشال التجارب، دون أن نبرّيء الأفراد والجماعات الإسلامية مما حدث.
- لابد أن أنبه هنا إلى أنه من الظلم أن نحكم على كل الأفراد والجماعات الإسلامية بحكم واحد، أو على مستوى واحد من تحميل المسئولية، فمنهم من أثبت مصداقيته ونزاهته وزهده في الدنيا، وإخلاصه في عمله، ونجاحه في الدور الملقى على عاتقه، ومنهم من سقط في الاختبار أو كشف عن وجهه الحقيقي القبيح.
- هذه الفئة الشبابية لم تعش تجربة الإسلاميين خلال القرن العشرين إلى بداية التسعينيات، ولم تطّلع على إنجازاتها.
- كما أن فقدان الثقة هذه - خصوصاً عند الشباب - لم تقف عند حدِّ النظرة السلبية، بل وتطوّرت أحياناً إلى الكفر بالدين، أو الإلحاد، أو ترك الالتزام الشرعي، أو الانضمام إلى الجماعات التي تتبنّى اتجاهات لا دينية.
- وهنا لابد من توجيه رسائل سريعة ومختصرة وفي اتجاهات مختلفة، والأولى إلى الشباب:
أولاً، التكفيريون والإرهابيون لا يمثِّلون (الحالة الإسلامية) مطلقاً.
ثانياً، الإسلاميّون – على اختلاف توجّهاتهم – بشر وليسوا معصومين، وما صدر عنهم من أخطاء وسلبيات لا يمثّلون من خلاله الدين، بل هي انعكاسات للبُعد الفردي في أشخاصهم، ومن الظلم أن نحكم على الدين من خلال تجربة المتدينين به في مقطع زمني محدود جداً.
ثالثاً، مَن يريد أن يقيّم تجاربهم يجب أن يكون مُنصِفاً، ولا ينظر إلى السلبيات وحدها، وعليه أن يقرأ الإنجازات الإيجابية التي تحققت على أيديهم في مواجهة الاستعمار في فترة ما، وفي مواجهة الاستبداد، وفي نشر التوعية، وما تم تقديمه من تضحيات جسام في هذا الطريق.
رابعاً، لا يصح تقييمهم - على تنوّعهم – بمسطرة واحدة، ولا من خلال قراءة جزئية لمرحلة زمنية معيّنة، ولا بعيداً عن المؤثِّرات الخارجية وشيطنة الإعلام المعادي والدوائر المخابراتية.
- الرسالة الثانية موجهة إلى الإسلاميين كأفراد وجماعات.. حان الوقت للقيام بمراجعة شاملة وجادّة وناقدة وشفّافة، والعودة إلى الدور الأصيل الذي يُناط بهم، وهو بناء الإنسان إيمانياً وروحياً وأخلاقياً.
- في يومٍ ما، كانت الصورة واضحة أنّ الدخول في معترك التنافس النيابي، والعمل السياسي، ليس سوى أداة من أدوات إصلاح المجتمع، وليس غاية في حدِّ ذاته.
- أما اليوم، فقد ران على قلوب كثيرٍ من الإسلاميين ما كانوا يكسبون.. وصارت الأداةُ غايةً وديناً ورأسَ الأولويات في أجنداتهم.
- لست أدعو الإسلاميين إلى مقاطعة العمل السياسي، ولكن من جهة أدعو إلى التفكير في الأولويات، ومن جهة أخرى أدعو إلى التفكير في ثمن الفاتورة المقدَّمة اليوم على حساب الغاية الحقيقية للعمل الإسلامي، وهو ربط الناس بالدين.
- رسالتي إلى المعنيين بالحالة الإسلامية، من علماء، وأفراد، وجماعات، وأحزاب.. كفاكم مهاترات سياسية.. كفاكم مكابرة.. كفاكم انغماساً في الذات.. تحمّلوا مسئولياتِكم.. وعودوا إلى صفاء الرسالة في صفاء الإيمان وإخلاص العمل وصِدق النوايا وطهارة الروح ورحابة الأفق.. المسألةُ ليست مسألةَ كياناتكم.. المسألةُ ليست مسألةَ الأنا الفردية والجمعيّة.. المسألةُ ليست مسألةَ كَراسٍ وسلطانٍ ومال.. المسألةُ مسألةُ الإسلام، وعلاقةُ الناس بالله، وبكتاب الله، وبنبي الله، وبشريعة الله، وبالمصير الأخروي.. ولنتذكّر قولَه تعالى محذّراً ورثةَ الرسالةِ والرساليين: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا، فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا، إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا، جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا، لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا) [مريم:58-63].