خطبة الجمعة 26 جمادى الأولى 1440: الشيخ علي حسن : الخطبة الأولى: من أدعية الزهراء (ع) - القسم الثالث


(اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، واستُرنِي، وَعَافِنِي أبداً ما أبقيتَنِي).
- بعد أن تحدثَت الزهراء (ع) في دعائها عن القناعة، ذكرت الستر والعافية.
- الستر: ضد الكَشف.. فما هي الأشياء التي يمكن للإنسان أن يطلب مِن الله عدمَ كشفِها؟
1. الذنوب والآثام.
2. العيوب والجوانب السلبية في الشخصية، من قبيل الضعف، عدم الثقة بالنفس، الجُبن، كثرة التردُّد، الجهل... إلخ.
3. النواقص التي قد حُرِم منها الإنسان، كالمال، والمسكن اللائق، والزوج أو الزوجة، وأمثال ذلك من أمور قد تضغط على الإنسان وتدفعه لطلب المساعدة لِسَدِّ نقصِها بما يجرح كرامتَه.
- وأحتمل أن هذا المورد من طلب الستر هو المقصود في هذا المقطع بلحاظ السياق، أي طلب عدم الوقوع تحت ضغط الحاجة التي تدفع الإنسان إلى طلب نوع من المساعدة من الآخرين.
- فما هي حالة الإنسان إذا سأل عن حاجة.. لاسيما ذلك الإنسان صاحب النفس العزيزة.. وأَخصُّ من ذلك، عزيزُ قومٍ ذل؟
- عن الإمام علي (عليه السلام): (السؤال يُضعف لسانَ المتكلم، ويَكسرُ قلبَ الشجاعِ البطل، ويُوقفُ الحُـــرَّ العزيزَ موقفَ العبدِ الذليل).
- وعنه (ع): (المسألةُ طَوْقُ المذلّة، تَسلبُ العزيزَ عِـــزَّه، والحسيبَ حسبَه).
- وقد يطلب المساعدة، فيعود مُهاناً حين يواجَه بالرفض والزَّجر، وسيكون الإحساس بالذل والانكسار حينها شديداً.
- ولذا جاءت النصوص بالمنع عن ردّ السائل: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) [الضحى:9].
- عن الإمام الباقر (ع): (.... ولو يعلم المسؤولُ ما في المنع، ما منع أحدٌ أحداً).
- وعن الحسين (ع): (صاحب الحاجة لم يُكرِم وجهَه عن سؤالك، فأكرِم وجهَك عَن رَدِّه).
- وقد ينال طلبَه، ولكنه يُفتَضَح بين العباد على يد ذلك المعطي.
- عن علي (ع): (ماءُ وجهِك جامد، يُقطِره السؤال، فانظُر عند مَن تُقطِرُه).
- وقد يَذكر ضعفَ حاله دون طلبٍ للمساعدة فيُظهرُه ذلك ضعيفاً أمام الآخرين، فيحتقرونه.
- اشتكى مفضل بن قيس ضيق حاله إلى الإمام الصادق (ع)، فقال: (يا جارية، هات ذلك الكيس، هذه أربعمائة دينار وصلني بها أبو جعفر) المنصور الدوانيقي (فخذها وتفرّج بها، قال: فقلت: لا والله - جُعلت فداك - ما هذا دهري، ولكن أحببتُ أن تدعو الله عز وجل لي. قال: فقال: إني سأفعل، ولكن إياك أن تُخبِرَ الناس بكلِّ حالك فتهونَ عليهم).
- ومن هنا بدأت الزهراء (ع) درسها التربوي في هذا الدعاء بطلب القناعة، كي لا ينزلق الإنسانُ - ما أمكن - إلى مذلّة السؤال وافتضاح الحال: (اللَّهُمَّ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، واستُرنِي، وَعَافِنِي أبداً ما أبقيتَنِي).